Ads 468x60px

ليس يحضرني الآن، للشاعر العرامي


"ليس يحضرني الآن"
بقلم: د. علي الصكر

     يبدو جلياً  أن مكتبة البردوني العامة في ذمار جادة كل الجدِّ في سعيها لإنشاء مشروع فكري، يستثمر إبداعات أدباء  ذمار الغزيرة. ولقد نوهت أكثر من مرة – مثل غيري من الزملاء – إلى ضرورة رصدِّ المشهد الثقافي الذماري المتشكل في أروقة هذه المكتبة بعين النقد والدراسة، فليس من الشائع و المألوف أن تقدم مكتبة عامة على إصدار النتاج الإبداعي في محيط عملها بما نعرفه جيدا من إمكانات مادية شديدة التواضع.
 آخر ما قرأت من إصدارات البردوني مجموعة شعرية بعنوان (ليس يحضرني الآن) للشاعر أحمد الطرس العرامي.. لا يعرف العرامي عن نفسه، ولو بكلمة واحدة على صفحات الكتاب لكن القارىء سيلحظ منذ البداية أن الشاعر لا تنقصه الخبرة والتجربة الشعرية. يبتعد أحمد عن التجريب والبنى الصادمة، المتمثلة في العبارة الشعرية المكثفة، التي يفضلها شعراء قصيدة النثر اليوم، ويختار قصيدة التفعيلة بشكلها الكلاسيكي في مقدمة ديوانه, لأنها الثوب المناسب لثيمته ومزاجه, ولا يعطي حيزاً كبيراً في قصيدته للإبهام الرمزي، فقصيدته مفتوحة كلياً للمتلقي كدأب الرواد والستينيين. ليس الثوب الكلاسيكي وحده، الذي يستعيره أحمد من الرواد و الستينيين، بل حسهم المكتئب  أيضاً:
رثاء الأب سيطغى بنغمته الحزينة على جميع قصائد المجموعة تقريباً، ويطبعها بطابع الحداد وسيطل الموت  بين حين وآخر من بين السطور  وكأنه يذكرنا بحضوره المحتوم:
  ركل الموت أحلامي الناعسات
وألقم أغنيتي حجرا
وتغرغرت الريح  بي وبنوارتي وصباي    
يبدو جلياً أن أحمد لا يلهث وراء الكلمات، إذ يستند إلى قاموس ثرّ، يمكنه من تطويع المفردة الشعرية بيسر وسلاسة تتوافقان مع لجوئه المتعمد إلى البحور التقليدية الطويلة وإيقاعاتها المتناغمة:
وتجمعني به صلة الكآبة
والشجون الغضة الآهات
نجلس عند مفترق الأماني
نحتفي بالشعر
“ تشبهنا يداه “
  يلجأ أحمد الى نمط القصيدة الحديث في نهاية الديوان، لكنه هنا أيضاً لا يتخلى عن عبارته الفخمة لصالح الشكل الحديث وإغراءاته الكثيرة. قصيدة ( صنعاء ) مثلا:
إن كانت صنعاء امرأة
فلماذا لا تبصر
مما يوحي بأنوثتها
غير النهدين؟
أو في القصيدة المعنونة بعلامة استفهام ثم تعجب؟! :
يا ابن أبي طالب
ماذا لو كان الفقر امرأة
ماذا لو ............ 
سيلحظ القارىء المتأني أن أحمد العرامي يخط لنفسه بعناية شديدة مسلكاً، يؤدي به إلى مكان واضح على خارطة الحداثة في المشهد الشعري في اليمن اليوم وأنه – لذلك – يستحق أكثر من هذه المعالجة الصحفية المتعجلة، شرط أن يستمر بهذا الدأب وأن نقرأ له المزيد.
  الخميس 03 مارس - آذار 2011م.
صحيفة الجمهورية
http://www.algomhoriah.net/atach.php?id=33525

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق