Ads 468x60px

شعرية الحلم في ديوان (ليس يحضرني الآن)


شعرية الحلم في ديوان(( ليس يحضرني الآن))
أحمد الفراصي

     يقول أحد علماء النفس : ((إن الحلم ليس تكريراً لما يمر بنا في اليقظة من خير أو شر ومتعة أو تقزز .. ، بل العكس هو الصحيح، ، فالأرجح أن الحلم يرمي إلى تفريغ عقلنا من كل هذه الانطباعات كي يوفر لنا الراحة من عبء شحنات اليقظة بما فيها من خير أو شر ..)).
    تأسيسا على هذا الرأي هل يمكن القول أن لجوء الشعراء إلى الأحلام في أشعارهم ليوضحوا رؤاهم وأفكارهم هو تعبير عن التوق إلى التغلب على الهشاشة والتناقض الذَين ينطوي عليهما العالم الذي يقفون عليه ؟؟
     هل يمكن القول أن لجوئهم إلى الحلم يعكس توقهم وتعطشهم للكمال الذي لا يتحقق لهم في الواقع فيندمجون في الحلم ليشاركون الأشياء وجودها كما يتمنون ؟هل تعكس توقهم إلى العيش خارج العالم وخارج أنفسهم معاً جرّاء ما يرونه في عالمهم الواقعي من متناقضات تغلق عليهم ملكات الإبداع وتمنع عنهم حقهم من العيش بحرية بدون خوف من قيود الرقابة المدججة بالمنع والكف والمصادرة والإلغاء ؟؟
     هذه الأسئلة وغيرها تدافعت إلى ذهني وأنا أقرأ ديوان ((ليس يحضرني الأن )) للشاعر أحمد الطرس العرامي لاسيما قصيدة (( باب لاتراه الريح ))التي أيقظت في ذاتي هذه الأسئلة ودفعتني لجعلها مدخلا لاستنطاق مدلولات هذه القصيدة .
     وهي القصيدة التي اتخذت من صحبة الشجني ذريعةً لسرد متخيلها الشعري وما يحمله من هموم ورؤى ، وأفضت فيما بعد وهيأت لأجواء الدخول في طقس الحلم بعد أن تمفصل إلى عدة شذرات تدوينية حملت كل واحدة منها همّاً من هموم النص التي أفصح عنها صراحة في بدايته إجمالاً ثم بدأ بتفصيل القول فيها ، حيث يرد :
 (( في صحبة الشجني :/ ها إني أتيت ،/ أتيت فوق جناح قبرٍ عابرٍ/لم تأت أي حرائقٍ/في صحبتي /إلا القصيدة / وردة الشجني / قوس جهاته /موتاه/ قشرة حلمه/لبّ الغياب .))
     فالقصيدة((وردة الشجني ))تبحث عن لغةٍ شفافةٍ بكر يفتضّ منها الشاعر ويمتح كيف يشاء .وهموم البلاد المتمرئية بعين النص الباحث عن يوتوبياه الخاصة به. كذلك الغياب الذي شكل وجوده في الواقع علامة فارقة في حياة صاحبه .وهذه الهموم هي من هيأ للفرار إلى فضاءات الحلم الرحيبة التي خلع عليها النص كل تلك الإشكاليات العالقة في عالمه الواقعي . فكيف تشكل الحلم في النص  ؟؟
يبدأ الحلم بالآتي :
(( من آهة الشجني :/يخرج سرب أحلام ٍ/يحوّم في حنين الماء للأشياء /يترك قبلةً/في أسفل المعنى/ويهمس:/تلك كانت بصمتي .))
   هنا يقدم الحلم نفسه كنص ..في جمل متسلسلة من الإحساسات التي يتحول معها القول إلى متتالية مصبوغة باللذة أو بالانزعاج ,أو بنسبة متغيرة منهما معاً.. ذلك أن رغبة الحلم في النص تتحقق حين تجد طريقها إلى التعبير بوساطة((آهة الشجني)), وفعل الكلام ((التلفظ))الذي ((يحوّم في حنين الماء)) يقوم مقام هذه الأحلام , ويأتي حجةً على وجودها .وعندما يتم ((التحويم ))تكون بذلك قد أنهت مصيرها وأحرزت شكلآ واحداً من الإشباع . إنها إذاً محاولة أولية من قبل الذات الحالمة لإعادة اللغة إلى بكارتها الأولى حين كانت نقيةً شفافة شفافية الماء ، فتتصرف فيها كيف تشاء ويصبح لها مطلق الحرية في توليد دلالات جديدة للمفردات المتواطأ عليها سابقاً وتحويلها إلى دلات جديدة تلاءم الذات تماماً وتتفق وانفعالاتها التي تبحث لها عن موطأ قدم في هذا الزحام ((تلك كانت بصمتي )).
    ولوعي النص بأن الفكرة في حال الحلم تتشكل في صورة متحركة بعيدة عن رقابة الإرادة الواعية والإكراهات المادية ، وتفسح المجال للأصوات المتضاربة في الأعماق ؛فإنه يسرد الحلم على غير ترتيب منطقي لأحداثه على غير اهتمام بتشاكلٍ أو تجاورٍ في الدلالات ، حيث يرد:
      (( ويهبّ من ذكراه/بابٌ لا تراه الريح/يفتحه السؤال/عن الحبيبة:/كيف حطّ على غصون الماء/طائرها...؟/وأين ينام نهرٌ/كان يجري في سكوني/كنت أدعوه:ظفائرها...؟/وأين أنا ؟؟؟/ومن قصى دمي/من لحظة الشجني...؟؟/زجّ بضحكتي في عتمة الكلمات/والموتى ذئاب .
    في غفلةٍ من ضحكة الشجني:/طار اللوز،/حطّ اللون /وارتعش المدى المنقوع/في دوّامة (اللزاب)/وحدي../سوف أوصد/جرح هذا الباب/في وجه الصدى،/عمّاغريبٍ/سوف أدخل في حضورٍباذخٍ/ليمتدّ من أدنى احتضارات السنونو/في مواعيدي/إلى أقصى التراب. ))
     بلا شك أننا إذا أمعنّا النظر في هذه المتوالية الحلمية فسنكون قبالة نمطين حلميين: أما الأول فتنعكس على مراياه أحلامٌ قلقةٌ مشحونة بالأسئلة ((كيف، أين ،أين)) وملغومةٌ بالفزع والعتمة والكابوسية ((الموتى ذئاب))وهي جميعها تنتسب إلى الماضي ، ربما الماضي القريب جداً، وأما الآخر فيتحدث عن المستقبل ويجلو أحلاماً تبدو أكثر إشراقا ، لأنها تتحدث عن أماني الذات المتقدة بالتمرد والمسكونة بهاجس الإبداع المتميز والمتفرد((وحدي/سوف أوصد جرح هذا الباب/في وجه الصدى))لتنعكس من خلاله غائية الشعر وقدرة الكلمة على صناعة المستحيل .
   ومع ذلك فإن من يريد الربط الدلالي بين الحلمين سيجد أنهما يضجان بقرعات سياط الرقابة المدججة بالمنع والكف والمصادرة التي تحول بين الأماني والهواجس وتمنعهما من الظهور في عالم الوعي بل حتى أثناء الرقاد، وهذا ما تجلّى صراحةً في النص حينما قال :
     ((عمّا غريبٍ/سوف أدخل/في حضورٍ باذخٍ/يمتد من أقصى احتضارات السنونو/في مواعيدي/إلى أقصى التراب.))
     فهذا الحضور حضورٌ مخاتل هلامي غير واضح زمانياً أو مكانياً ، فهو غريب ومواعيده معطلة تنبئ بعدم الإيفاء بها ، لأنها مقرونة باحتضارات السنونو ووطأة التراب . من هنا فإن هذه الأحلام المؤجلة التي لا أمل لها في التحقق تدفعنا إلى الإحساس إن التساؤلات والرؤى التي طرحها النص الحلمي لا تنبئ برغبة الذات الحالمة في الخروج من الحلم وأجواؤه التي تجد فيها متنفسها الوحيد، بل إنها الطريقة المثلى للبقاء وإثبات الوجود . هذا بالنسبة للذات الحالمة أما بالنسبة للمتخيل التأويلي فإن هذه الأحلام قد فتحت النص على كل الاحتمالات التأويلية ،ولعل أبرزها هو التوق إلى الإفصاح عن الخطاب الفكري المتواري خلف سياط الإلغاء والرضوخ لأقفاص العتمة والخذلان. وهذا ما يؤكده النص ذاته حينما أسدل ستار بوحه بهذه المقطوعة :
     ((الآن قلت جميع ما عندي،/ولكن/ ليس يحضرني دمي /لأقوله وأطير.../.../..، /سوف أقص/خذا الجزء من رؤياي:/أوشك أن أطير إليك/يا أبتِ/فيخذلني الغياب. ))
     إننا في هذه الخاتمة الملبدة بالنفي والبتر وانتهاك أدق الخصوصيات(عدم القدرة على البوح بكامل الحلم)وحينما تكررت فيها عبارة العتبة النصية للديوان ((ليس يحضرني الآن)) فشكلت مقصلة البوح الشعري وسندانه ،لنستشف من النص تراجيديا المثقف العربي الذي يعكس عبر بوحه النازف واقعه الثقافي المأزوم بأدواته العاجزة عن انتشاله مما هو فيه من هزائم وعزاءات متلاحقة وتفاصيل الخراب الروحي التي تردى إليها من خلال فقدان كامل للثقة واليقين الذي حدا به إلى ما يشبه الاستسلام المفزع للضياع في الوقت الذي كان يرى في الإبداع قضية حياة ووجود لكنه وجود محكوم بالعدم والفناء . 

كلية الآداب جامعة ذمار
a.alfrassi@hotmail.com
مجلة الثقافة، وزارة الثقافة اليمنية.



ديوان (ليس يحضرني الآن)



                                                       ديوان (ليس يحضرني الآن)




لتحميل نسخة رقمية pdf من الديوان:

ليس يحضرني الآن

_________________________ 
بابٌ لا تراه الريح



في صُحبةِ الشَّجَنِيّ:
        ها إني أتيتُ,.
أتيتُ فوق جناحِ قبرٍ عابرٍ
        لم تأتِ أيُّ حرائقٍ
في صحبتي
           إلا القصيدة
           وردة الشَّـجَنِيّ
           قوس جهاته
           موتاه
           قشرة حلمِه

كأنّ نبيًا خلف الباب (نص شعري)

كأنّ نبيًا خلف الباب


تحميل ديوان (كأن نبياً خلف الباب) أحمد الطرس العرامي
كتب هذا النص خلال 2008 بين كلٍّ من عرام وصنعاء.
____________ 

قمرٌ يرتبنا لغيمته، وسيدةٌ تُقَاسِمُنا خرافتَها، وليلكَ صمتِها المشروخَ، ضحكتُها الفُجاءَة فضةٌ رقصت على حقل الحنين......
و(كان يا ما كان) غربالي:
أضيعُ مثل الندى المهووس، ذاكرتي نصفُ الغياب، وكلُّ البابِ مَـوَّالي:

 (رُويح البالْ يا منْ يريدَ البالْ جا لهْ
قمرْ يا أختَ الغزالةْ..
وُلَيدْ والليلْ بالةْ(1))


والآن يا(لِزَّابُ)(2)
 أنتَ معلَّـقٌ مثلي
على حبلِ النقائضِ...
كلُّ شيءٍ مائلٌ
كحكاية الشَّجَنِيِّ
حتى الباب!
هل هذا هو المعنى
 لأتركَه وأمضي
                ....؟؟!!
إنما أصبحتَ أنتَ حكايتي...
وأنا يَدَاكَ
 فلا تقلْ شيئاً لجارتِنا،
ولا تُغْضِبْ أبي
 هذا الصباح
 أضاعَ قهوتَه
ففتَّشْنـا القصائدَ كلَّها
والياسمينَ،
وضحكةَ الزُّوارِ،
والمرآةَ،
والبابَ الذي مازال يُطرَقُ،
صوتَ جدي وهو يسأل:
هل تؤثر في مزاج (السُّمَّيـَاتِ)(3)
تقلباتُ الطقسِ
والإيقاعِ؟؟


كان الوقتُ
يُشبهُنا إلى حدِّ الفراشةِ...
والفراشةُ
نصفُ قهقهةٍ
ستصغي للمعادنِ
 وهي تهمسُ صدفةً
في جوفِ ماءٍ مائلٍ
"متفاعِلُن متفاعِلِن"...
كان الردى حجراً وكان....
وكان جدِّي
كلَّ يوم لا يجيء،
تجيء جدتي القصية
 من تثاؤبها
وتصحبنا إلى حقل (التناص)،
فنسرقُ المعنى من الوادي
ونهربُ.....

كانتِ الأبوابُ
 تَفْتَحُنَا
لريحٍ في مهبِّ (وُرَيقةِ الحِنَّا)(4)
 وتُغْلِقُ نفسَها
في وجهِ جَارتِنا
كأنـَّا ما أتينا
منذ رائحةِ(الشَّذَابِ)
وصرخةِ(اللِزَّابِ)
 من أَلِفِ القصيدةِ نفسها
 والياسمينةِ نفسها...
 مرَّ الغيابُ
ولم يعدْ
 حتى (الشَّذاب)
إلى الكنايةِ!!
كلُّ شيءٍ مائلٌ :
قمرُ العتابِ،
طفولةُ الأحزابِ،
جمهرةُ (الشَّذَابِ)،
حكايةُ الشَّجَنِيِّ
 حتى الباب!
مَنْ في الباب؟؟
هل هذا هو المعنى....؟
 أم المعنى
تَنَكَّرَ تحتَ قبعةِ المُهَرِّج؟
والمهرِّج
سَيِّدٌ أدَّى مُهِمَّتَهُ
ونامَ
إلى جوارِ المَزْهَرِيَّةِ
مرةً أخرى...
ونامْ.

والآن سأمضي
 قال (اللِزَّابُ)
وخدَّرَنِي حتى شِخْتُ
وقلتُ كلاماً
يشبهُ هذا المكتوبَ
على ورقِ اللعناتِ
وريحِ الفجرِ،
وعاليةِ الـنَّهدين
كحزنِ إلهٍ مغمورٍ
 كسماءٍ بحذائين
وقافيةٍ واحدةٍ،
كهسهسةِ الكلماتِ
المنقوعةِ

في زيتِ اللهِ،
 كطينٍ يشردُ
حينَ تمرُّ الملكةُ
حافيةً
تتسربُ
من بين أصابعه
وتطيرُ بعيداً جدًّا
مثلَ سحابة.

الخيلُ
تكاثرتِ الآنَ
تناثرتِ
الآنَ
تعثَّرَ طينُ الغيمِ
بأحجارِ النسمةِ
بالسَّحَرِ
الآسنِ في الملهاةِ،
الموتُ
تكلسَ فوق الرفِّ،
لمن تكتبُ
رائحةً أخرى في الماءِ؟




لمن تفتحُ
جرحَ العطرِ
وتكسرُ شباكين
بأغنيةٍ واحدةٍ؟
لا أنتَ سواكَ
ولا المعنى معناك
 لعلَّك
خلفَ الغيمِ تنامُ
هناك...
هنالك...
خلف الهمسةِ...
خلف الوردةِ و(المارينـز)
تَهُبُّ علينا بالتدريجِ
كأنك شارعُنا المرسومُ
خريطةَ نارٍ أو ماءٍ،
عمَّا خيلين
وليلٍ
يثمرُ رماناً موتاك
جنوداً وكمائنَ،
عمَّا خيلين وليلٍ
تورقُ......،
يا صيادَ الماءِ
وصيادَ اللونِ المتطايرِ
من عُمقِ البالونات
لمن تشعلُ وردَ الحائط؟؟
تَحْشُرُ
في صمتِ المرآةِ المعطوبةِ
سبعَ جهاتٍ
بلياليهن؟؟
وسبع سماواتٍ
بلياليهن؟؟
وسبع نساء...؟؟
الماءُ تعثَّرَ
بالريحِ الهشةِ..
بالريحِ الـ تجلسُ
   قربَ الشرفةِ...
بالريحِ الملقاةِ
    على الطرقاتِ...
وحيداً
سوف أمرُّ عليك
وألقي قمراً
في كفيْ
 وأغيبُ،
لي المعنى النائمُ
تحت الصخرةِ/قبعةِ اللهِ
لي الآه
لي الله..
ولي أن أمضي
- قال (اللِزَّابُ) -
وخدَّرَنِي
 الشجرُ الفائضُ،
قلتُ:
تعلمْ منكَ:
عبورَ يديك،
عبورَ الماء
- سريعاً -
     مثلَ قطاةِ النومِ،
تَعلَّمْ منكَ:
جهاتٍ أخرى،
 قمحاً آخرَ،
 ثم احزمْ أطيافَكَ
ثم اخلعْ قدميكَ
وضعْ
قمراً آخرَ
في الصندوقِ
وقلْ:
هذا ربي
هذا أكثرُ
       من مرآةٍ
وأقـــلُّ
أقـــلْ...


والآنَ سَأمضي
- قال (اللِزَّابُ)-
 ورتَّبَ بضعةَ أمواتٍ
                  وغيومٍ
 وحرائقَ،
ثُمَّ تلا أورادَ حقيبتِه الحجريةِ،
 ضمَّ الماءَ إلى كتفيه
وحلَّق...
  حلَّق....
قلتُ له:
 اذكرني إن متُّ،
فماتَ
لكي لا يَذْكُرَنِي...
.....
هذا (اللِزَّابُ)
 أخي في الصمتِ،
 أخي في الموتِ،
 أخي في لونِ الخجلِ البحريِّ،
أخي في خجلِ البحرِ،
أخي في البحرِ،
 أخي في البحرِ بما فيه
أخي في (اللِزَّابِ)
وحسبي أن أخي قال:
 سلاماً
      يا ليمونَ الشجرِ الأسودِ،
     يا ليمونَ الحجرِ الضامرِ
 في التقويمِ
 الحجرِ الغائرِ
في كفِّ صديقةِ أمي/بنتِ الجيرانِ:
لنا ما ليس لمولاتي
 -قالت-
ثم توارتْ خلف حدودِ الطين
وخانتني سنتين،
وعادتْ كَيْما تفعلها ثانيةً
في البستانِ الواقفِ
في وجهِ الشُّـبَّـاكِ
كجنديٍّ
عادَ من الحربِ...

البستانِ الواقفِ كالسَّبُورةِ
في وجهِ الطفلِ الأسمرِ...
عادتْ
كَيْما تفعلها ثانيةً
في ذاتِ البستانِ
على مرأى
أطفالِ الحارةِ،
والمارةِ،
والرمانِ،
على مرأىً مني أيضاً
-قال (اللِزَّابُ) -
 وكان عناقاً
أسرعَ
من قنبلةٍ ضحكتْ،
أطولَ من سنبلةٍ
ولدتْ
بين يدينِ ملوَّحتين
لطفلٍ قالَ:

وداعاً يا أهلَ شجوني
 ومضى،
 والصبحُ بحوزتِه،
والأقمارُ بحوزتِه،
والنجماتُ،
وضحكةُ بنتِ الجيرانِ
بحوزتِه،
طارَ...
  وطارَ..
وخلَّفَ قبعةً
   للماءِ الساخنِ...
خلَّفَ أشجاراً
تنمو
في المرآةِ المعطوبةِ،
أطفالاً يبكونَ....
نساءً مشطوراتٍ...
 أبطالاً من ضجرٍ...
و حكايا كَسْلَى...



قال الراوي:
كان (الشُّقُرُ) الأحمرُ
    يَهْمِيْ....
 كان (اللِزَّابُ)
نحيلاً جدًّا في يَدِها،
 مرَّتْ....
مرَّتْ...
وتَنـَاثرَ
في الدَّربِ القلبُ...
 تَطـَايرَ
في الأفقِ الدَّربُ،
وغابَ الربُّ
    لثانيتين،
وعاد حزيناً
يحملها بين يديه....
و قال (الرّاوي):
كان (اللِّزابُ)
 يُغَنِّي مثلي
يحلمُ أن يكبرَ
كي يبتاعَ إلهَ الصَّيْـدِ
منَ الحانوت..
كان (اللِزَّابُ)
يُغَنِّي مثلي
 يحلمُ
أن يركبَ طائرةً
ليعودَ لأطفالِ الحيِّ
 بكلِّ البالوناتِ
الـ هربتْ منهم
........

كان (اللِزَّابُ) يُغَنِّي:
 مَنْ لي
    بالأنجُمِ
بالوناتِ الأطفالِ
الـ سَبَقُونا؟
مَنْ لي
  بالقمرِ الأسمرِ؟
 في سقفِ القـريةِ
بالونة آدم.


كان (اللِزَّابُ) يُهَاجِرُ
حين تَهُبُّ امرأةٌ
من بين الأقواسِ،
 ويتركُ كلَّ الأمطارِ لها،
ينسى معطفَه المنشورَ
على حبلِ الغيمةِ...
ينسى مفتاحَ اللعبةِ
في جيبِ الريحِ،
هو (اللزَّابُ)
 الأغربُ من موالٍ جفَّ
 على شفةِ الحطابِ،
الأغربُ من ريحٍ
عَلِقَتْ في قوسِ صبيٍّ
يهوى الصيدَ،
وتهواه امرأةٌ في(السُّـمَّايةِ)
آلى أن يجعلَها
تخطبه من بين الأولادِ...
....




وحاضَنَها
وتمشَّـى معها
في أنحاءِ الغيمةِ،
 طافا دنيا (اللِزَّاب) الآخر،
مرَّا مُنْـتَشِيَيْنِ
   أمامَ الرَّاوي،
قال (اللِزَّابُ) لها:
 هذا الرّاوي،
فابتسمتْ
وأدارتْ خاتَمها،
وابتسمَ (اللِزَّابُ)
ودحرجَ
غمزتَه صوب الرَّاوي
قال الرَّاوي:
يا أولادْ
كان (اللِزَّابُ)
حزيناً جداًّ مثلي
 ويغيبُ
وينسى بابَ القصةِ
 مفتوحاً
 للأولادِ،
وللأيتامِ،
وذي القربى،
ثم توارى الرّاوي
 تحت جناحِ كنايةْ.




والآنَ سأمضي
قال (اللِزَّابُ)
 فقلنا: خُذْ هذا البابَ
 لكي تفتحَه في الشَّطِّ الآخر
حين يكونُ الماءُ النائمُ
 قربَ الحائطِ
في استقبالِكَ،
خُذْ ما شئتَ،
 ووزعْ نفسَكَ بين الطرقات
 لتغدو أسرعَ
مما تتوقعُ نرجسةٌ
 خفقتْ في صدرِ الرايةِ
وارْتَعَشَتْ
 كنشيدٍ وطنيٍّ
 عاش وحيداً
في المنفى والبرد...،
لتغدو أسرعَ
من
حجر(ن) يسقطُ
من سقفِ الذكرى
فوق أصابع
هذا الليلِ المُقْعَدِ/ليلِ القريةِ...
قال (الراوي):
كان (اللِزَّابُ) يغني مثلي
يحلمُ
أن يُلْقي
في جوفِ اسمِ حبيبتِهِ
سِـرَّ يديه
و بعض خطاه،
وكان...
...وكان
وثمة من كان هناك
 تمسَّكَ بالبابِ المفتوحِ
           على القصةِ،
 فانتشرَ البابُ
كرائحةِ الحُلمِ الأخضر
 في أفقِ القريةِ،
فاحتْ رائحةُ (اللِزَّابِ)
 و دارتْ
رائحةُ الجارةِ
 دارتْ..
 دارتْ...
  دارتْ....
حتى دارَ الأفقُ
وشاخَ الشفقُ الأزرقُ،
خَيَّمَ عرسٌ في القنينةِ...
ثمة من لا يعرف
                خامةَ هذا الليلِ
وثمة من لا يعرفُ
كيف تنامُ الجارةُ
في التقويمِ الأعرجِ!
كيف تنام؟
ويأبى قمرُ السردِ الغامضِ
أن يتنازلَ عن شرفتِها!!
ثمة من كان يدندنُ
في أقصى المعنى:
لابنةِ الجـيرانِ وقعُ المشتهى
نكهةُ السِّحْرِ وظِلُّ الساحرةْ
قاطَعَ(اللِزَّابُ) بوحيٍ قائـلاً:
لابنةِ الجيرانِ طعمُ الذاكـرةْ.


والآن سأمضي
قال(اللِزَّابُ)
وعلَّقَ ريحَ (السيابِ)
           على البابِ
وغادرَ نكهةَ قريتِه.
 وتحالفتِ الأشجارُ
 الأمطارُ
 الذكرى
 ضدَّ الخيلِ،
وضدَّ الليلِ،
وضدَّ الراوي،
ضدَّ السردِ المتقطعِ،
كالسُّلَّمِ/سلَّمِ جارتِنا الموسيقي:



لحفاوةِ (اللِزَّابِ) يا (بنت النبي)(5)
 ما ليس لي....
هذا دمي فخُذِي
ما شئتِ منه
(وخلِّي الليلَ يكنسني)
 كوردةٍ هربتْ من عِطرِها،
 ومضتْ
         إلى القصيدة،
فاستشرى الرَّدى،
اتسعتْ حكايتي:
أنتِ أدْرَى
بانهمارِ يدي،
من قبل أن يعشبَ الموتى
كقافيةٍ،
في قبةِ السَّردِ
كانَ الطفلُ مختبئاً،
وكانتِ الأمُّ تطوي نهدَها
بيدِ الذكرى،
وتبحثُ بالأخرى
 عن الغجرِ الـ جاءوا
فُرَادَى
 وعادوا فوق ظهرِ دمي،
 مكتفين
كليلٍ تحتَ قبعتي
 ينامُ لا الماءُ يذكيه
ولا الضجرُ.

ما أجملَ العيشَ لكن الرَّدى حجرُ!

غاب (اللِزَّابُ)
وغاب رنينُ يديك
 فلا تدعي قمراً
 يدخل من فتحةِ هذا الليل
 ولا تدعي باباً
يخرجُ من نافذةِ الوقتِ الطافي
 فوق نحولِ القشةِ....
كنا اثنين...
اثنين...
 وكنا شجراً
 يَقْصِفُ عصفوراً
باباً
يقضمُ كفَّ الطارقِ
وهو يتمتمُ:
من في الباب؟؟!!

تقول امرأةٌ في (السُّمَّاية):
 مرَّ العاشقُ قبل غروبِ (البالةِ)(1)،
 قال الراوي:
مرَّ الليلةَ قربَ البالِ
وكان (يُبَلْبِلُ):
من في الباب؟؟
تِرِمْ تِمْ تِمْ تِمْ
من في الباب؟؟
طِرَقْ طِقْ طَقْ طَقْ!!
من في البال؟؟
يقول العابر:
فَعَلُنْ يَفْعَل!!



حَجَرُنْ يَزْحَفُ
          في ذاكرتي
قَمَرُنْ يَحْفرُ
       في جدران العتمة
بحثاً
عن أنثى تحفظ
   (زامِلَها)(6)،
وتُزَمِّلُ
  قَاتِلَها،
وتحنُّ
إلى قمرٍ آخر
يخطر هذي الليلةَ
في بالِ (البالةِ)
يا
ليل البال
متى يده؟؟!!
رقد السُّمار
صحا السُّمار
طفا السُّمار
على سطح(اللِزَّاب)
كأن نبيًّا
خلف الباب
كأنَّ البابَ
      البابُ،
كأنَّا البابُ
كأنَّا جئنا ساعتها
من غيم خطانا المهووسة،
"جينا وزي ما جينا جينا
جينا ومش بإدينا
................
ولقيت بيتي بعد الغربة،
قلبك ده وعيونك ديّا"
(وِلْقِيْتْ عبدالوهاب)
يدندنُ في أقصى المعنى،
يُسْحَبُ خيط النَّص إليه،
ويركضُ...
يركضُ..
طِفْلٌ
يُفْلِتُ من يده
خيطُ الطائرة الورقية
يركضُ..
خلف يديه
وخلف خطاه
يقول (الرَّاوي):
كان يغني مثلي،
يحلمُ أن
يُلْقِي قمراً
في الضوءِ الرَّاكِدِ
يلقي حجراً
    في ذهنِ السَّارِدِ
.....
قِيلَ: تمكَّنَ من أن يبكي



قِيلَ: تمكَّنَ من أن ينسى
قِيلَ: تواترَ مثل قطاة الماء
قِيلَ: كأنَّا الماءُ
كأنَّا جئنا ساعتها
من غيم خطانا المهووسة،
كنا اثنين
اثنين...
وكنا ثالثنا
-يوماً ما-
كنا نهتفُ:
لا تنكسري يا شوكتَنا
في حلقِ الريحِ
انكسري
في قلبِ العاشقِ
           والصبَّارةِ،
ليس لنا ما ليس لجارتِنا



ولنا بابٌ،
قمرٌ،
حتَّى،
ثمَّ،
كأنَّ،
إلى أينَ؟؟
كتابٌ،
حجرٌ،
ضجرٌ،
غجرٌ،
يمشي،
كانتْ،
لا ريبَ،
تباركَ،
ليتَ،
لعلَّكَ
خلفَ اللغةِ الأمِّ تنامُ
وراءَ الوردةِ و(المارينز)
تهبُّ علينا بالتدريج
كأنَّ
كأنَّك
حفنةُ ريحٍ
أو غصنُ حنينٍ
أنتَ...وأنتَ
وبعضُ الشعرِ
وبعضُ السُّكَّرِ
بعضُ أُحِبُّكَ،
بعضُ تباركَ،
بعضُ إلى أنْ،
بعضُ يُوَشْوِشُ،
بعضُ المعنى،
بعضُ عبورِ يديك
- سريعاً -
مثلَ قطاةِ النومِ....
كأنَّ الماءَ الماءُ
كأنَّ نبيًّا
خذلَ الليلَ
الليلَ
الليلَ
الليلَ
وطيييييري....
 يا طيااااااااااااااارة
في أفق السُّكَّر
 طيييييييييييييييييييييييييري.
كان (اللِزَّابُ)
حريراً
 داختْ بين يديهِ
   رياحُ الكائنِ،
 كان الكائنُ ظلاًّ منحنيًّا
 مثل رياحٍ كَسْلَى،
كنتَ
وحيداً في الماء
وحيداً في الرملِ الحائرِ
بين العاشقِ والصَّبـَّارةِ،
هذا الوقت
 تطيرُ حماماتُ المعنى،
 وتحطُّ على مِئْذَنةٍ
 من صلصالِ الشجرِ الـمُوصَدِ...
يبقى (اللِزَّابُ)
ويمضي (اللِزَّابُ)
ويَنْحَدِرُ الآتونَ إليكَ
   ... ...إليكْ... ...

يقول الراوي:
 (كان يا ماكان)
سيدةٌ على فرسِ الدخان
تعالجُ الموتى
من الكلماتِ
من زهرِ الحدائقِ
من مراثيهم
من اللوزِ المكانِ
من الزمانِ
من الندى والذكرياتِ
وصوتِ فيروزٍ/مقدمةِ الغمام...
و(جارةُ الوادي)
طربتُ...
وعادَها طربي الحزينُ
وعادني...
ما يشبهُ الموتى
على فرسٍ نحيلٍ من دخانْ...
و(كان يا ما كان)
سيدةٌ على بابِ الشَّذَا
قالت:
هو (اللِزَّابُ)
 غادرني سريعاً،
شقَّ ثوبي
ثمَّ علَّقَهُ
على شجنِ النوارسِ،
في الطريق
إلى عريسٍ غائمٍ
في المزهريةِ
في (الشَّذَا..)
فهتفت(يا لِزَّابُ)
دعْ خوفي
    يؤازرْني هنالك،
دعْ غزالاً ما
يشاركْني
قراءةَ ما يخطُّ الغيمُ
في كفِّ الذي
       كنا وحيداً
 حين مرَّ
قُبيل دهشتنا
وغنَّى:
يا ابنةَ الجيرانِ هذا وجعي
سأسميه سمـاءً مفـرغةْ
سأسمـيه نبـيًّا ثمـلاً
وأسميـكِ نبيذاً ولغـة.

الهامش:

1- البالة: فن شعري ارتجالي إنشادي، ويتخذ طابع المبارزة أو المنازلة بين الشعراء، ينظم في أوزان شعرية خاصة به، ويؤدَى على مقامات إنشادية معينة، في جماعةٍ من الناس تشارك في الإنشاد، وتشكل جمهور المتلقين، وتختلف افتتاحياته من منطقة إلى أخرى أو من وزن شعري إلى آخر إلا أن منها (والليلة البال يا بالة ويا الليل بل) أو (رويح البال يا من يريد البال جا له....)
2- (اللِزَّاب): ويسمى أيضاً (الأُزاب) و(الإِزاب)، وأما (اللِزَّاب) فبلهجة منطقة الشاعر، وهو من النباتات العطرية التي لها حضورها في الثقافة الشعبية اليمنية إلى جانب نباتات عطرية أخرى، مثل: (الشذاب) و(الشقر)، خصوصاً في مناسبات مثل: (المولد، والموت).
3- (السُّمَّيَات): جمع (السُّمَّاية) وتعني الحكاية الشعبية.
4- (وريقة الحنا): اسم حكاية شعبية يمنية شهيرة...
5- (بنت النبي): اسم نوع من (الشقر)/ الريحان، إلا أنه بري...
6- (الزامل): من فنون الشعر الشعبي في اليمن، يقترب في بنائه من الزجل، يتميز بقصره إذ لا يتعدى بيتين شعريين، ويقال في المواقف والمناسبات، وينشد بطريقة جماعية...

المقالح: العرامي في قلب الحركة الشعرية


المقالح: العرامي في قلب الحركة الشعرية

د.عبدالعزيز المقالح:
الشاعر أحمد الطرس العرامي في مجموعته الشعرية الأولى (ليس يحضرني الآن):

كما تعبر المجموعة الشعرية الأولى للشاعر أحمد الطرس العرامي عن موهبة شعرية عالية فهي تختزن الكثير من المحمولات الجمالية والدلالية التي تعكس ثقافة الشاعر واتساع معارفه، ولا ننسي أن أحمد في طليعة النقاد الشبان الذين يتابعون باهتمام عميق واقع الإبداع الأدبي في بلادنا والشعري منه خاصة. وصدور هذه المجموعة ليس مناسبة للتهنئة فحسب وإنما للاحتفاء بشاعر أثبت وجوده في قلب الحركة الشعرية بجدارة....

* صحيفة الثورة، يوميات، الثلاثاء 9نوفمبر2010م.

ليس يحضرني الآن، للشاعر العرامي


"ليس يحضرني الآن"
بقلم: د. علي الصكر

     يبدو جلياً  أن مكتبة البردوني العامة في ذمار جادة كل الجدِّ في سعيها لإنشاء مشروع فكري، يستثمر إبداعات أدباء  ذمار الغزيرة. ولقد نوهت أكثر من مرة – مثل غيري من الزملاء – إلى ضرورة رصدِّ المشهد الثقافي الذماري المتشكل في أروقة هذه المكتبة بعين النقد والدراسة، فليس من الشائع و المألوف أن تقدم مكتبة عامة على إصدار النتاج الإبداعي في محيط عملها بما نعرفه جيدا من إمكانات مادية شديدة التواضع.
 آخر ما قرأت من إصدارات البردوني مجموعة شعرية بعنوان (ليس يحضرني الآن) للشاعر أحمد الطرس العرامي.. لا يعرف العرامي عن نفسه، ولو بكلمة واحدة على صفحات الكتاب لكن القارىء سيلحظ منذ البداية أن الشاعر لا تنقصه الخبرة والتجربة الشعرية. يبتعد أحمد عن التجريب والبنى الصادمة، المتمثلة في العبارة الشعرية المكثفة، التي يفضلها شعراء قصيدة النثر اليوم، ويختار قصيدة التفعيلة بشكلها الكلاسيكي في مقدمة ديوانه, لأنها الثوب المناسب لثيمته ومزاجه, ولا يعطي حيزاً كبيراً في قصيدته للإبهام الرمزي، فقصيدته مفتوحة كلياً للمتلقي كدأب الرواد والستينيين. ليس الثوب الكلاسيكي وحده، الذي يستعيره أحمد من الرواد و الستينيين، بل حسهم المكتئب  أيضاً:
رثاء الأب سيطغى بنغمته الحزينة على جميع قصائد المجموعة تقريباً، ويطبعها بطابع الحداد وسيطل الموت  بين حين وآخر من بين السطور  وكأنه يذكرنا بحضوره المحتوم:
  ركل الموت أحلامي الناعسات
وألقم أغنيتي حجرا
وتغرغرت الريح  بي وبنوارتي وصباي    
يبدو جلياً أن أحمد لا يلهث وراء الكلمات، إذ يستند إلى قاموس ثرّ، يمكنه من تطويع المفردة الشعرية بيسر وسلاسة تتوافقان مع لجوئه المتعمد إلى البحور التقليدية الطويلة وإيقاعاتها المتناغمة:
وتجمعني به صلة الكآبة
والشجون الغضة الآهات
نجلس عند مفترق الأماني
نحتفي بالشعر
“ تشبهنا يداه “
  يلجأ أحمد الى نمط القصيدة الحديث في نهاية الديوان، لكنه هنا أيضاً لا يتخلى عن عبارته الفخمة لصالح الشكل الحديث وإغراءاته الكثيرة. قصيدة ( صنعاء ) مثلا:
إن كانت صنعاء امرأة
فلماذا لا تبصر
مما يوحي بأنوثتها
غير النهدين؟
أو في القصيدة المعنونة بعلامة استفهام ثم تعجب؟! :
يا ابن أبي طالب
ماذا لو كان الفقر امرأة
ماذا لو ............ 
سيلحظ القارىء المتأني أن أحمد العرامي يخط لنفسه بعناية شديدة مسلكاً، يؤدي به إلى مكان واضح على خارطة الحداثة في المشهد الشعري في اليمن اليوم وأنه – لذلك – يستحق أكثر من هذه المعالجة الصحفية المتعجلة، شرط أن يستمر بهذا الدأب وأن نقرأ له المزيد.
  الخميس 03 مارس - آذار 2011م.
صحيفة الجمهورية
http://www.algomhoriah.net/atach.php?id=33525

مقالات صحيفة الجمهورية

مقالات أحمد الطرس العرامي في صحيفة الجمهورية

يمكنكم الإطلاع على مقالات الكاتب المنشورة في صحيفة الجمهورية من خلال موقعها في الانترنت، عبر هذا الرابط:

اضغط هنا

مقالات المصدر أونلاين

مقالات أحمد الطرس العرامي في المصدر أونلاين

يمكنكم تصفحها من خلال هذا الرابط:

اضغط هنا

كرسي المعارضة.. شاغر


   بعيداً عما كان يمكن للثورة أن تقدمه فيما لو لم يتدخل المشترك، أو المجتمع الدولي في الثورة اليمنية، وفي إدارة الأزمة فيها، وفي رسم ملامح المستقبل السياسي لليمن، فإنه يمكننا أن ننطلق من النقطة التي نحن فيها الآن، من المشهد الحالي الذي آل إليه الوضع السياسي في اليمن بعد توقيع اتفاق الرياض الذي أفضى إلى شراكة سياسية بين كل من النظام (المؤتمر) والمعارضة ((المشترك).

في خطاب المثقف (الحوثي)


        يعرف المثقفون الحوثيون في قرارة أنفسهم أنهم ليسوا على صواب، أو على الأقل أنهم واقعون في مأزق التناقض بينما هم يشكلون مفردات الخطاب الحوثي الأساسية أو جزءاً من مفرداته الطافية على السطح.
الخطاب الحوثي الذي يشكله (مثقفو الحوثي) يبدو -في جانب كبير منه - خطاباً يمارس وجوده على استحياء، إنه يتجنب دائماً المباشرة وطرق الموضوعات أو القضايا الجوهرية أو المركزية

البكاء يجلس إلى جواري


".... أمي  بهدوءٍ  صعدت إلى السماء... في 11فبراير2011م."

أحبك يا أمي
ولكني لم أكن أحب
أن أُخرج صديقي من منزله في الثالثة فجراً
لأخبره أنني كتبت نصاً جديداً:
(أبغض الأمهات لأنهن يمتن).
****
إن ظلي يسبقني دائما يا أمي....
وإلا فلماذا كل هذه الأشواك والحجارة في الدرب؟؟!!

شبح صالح أو السلطة الرمزية

     
      هذه المرة وربما هذه المرة فقط بوسعي أن أصدق صالح أكثر من أي أحد آخر، ليس هذا مديحاً لـ(رئيس في هزيعه الأخير) ولو على طريقة الرائع (محمد ناجي أحمد)، كما أنه ليس هجاءً على طريقة حاطبي الأهاجي.
صالح لم يرحل بعد، صالح غادر للعلاج وسيعود، لقد قال ذلك في خطابه الأخير وأنا أميل إلى تصديقه، لقد قال أيضا

في الثقافة والثورة


      
      الملاحظ أنه خلال العام (2011م) توقف الفعل الثقافي وانخرط الجميع في السياسة وذلك طبيعي بحكم المرحلة، لكن ما يستدعي مناقشته هو أن (الثورة) لم تنتج أدباً مواكباً لأحداثها كما يفترض...
 من الممكن أن تمثل ثورة 2011م منعطفاً ستتضح في المستقبل معالم وحجم وتفاصيل وطبيعة التغير الذي سيحدثه وعلى مختلف

عاصمة جديدة... لكنْ مدنية



    لن يكون لمسألة اختيار عاصمة جديدة بدلاً من صنعاء (وهو أمر بات في غاية الضرورة) أي نتائج ذات جدوى فيما لو أغفلت الطبيعة الثقافية الاجتماعية للعاصمة الجديدة، واقتصر الأمر على مراعاة العوامل الاقتصادية والجغرافية والمقومات الأخرى، فإذا كانت المشاكل الاقتصادية الجغرافية (المادية) مثل: (المياه، والتخطيط

صراع الأشباه


     الأشباه يتصارعون في اليمن ونحن الضحية، نحن نشهد حرباً أو صراعاً بين قوى متخلفة، ينطبق هذا على صراع الحوثية والسنة، الحوثية والإخوان، الحرس والفرقة، المشترك والمؤتمر، القبائل تحت مسمى القبيلة، وأهل تعز تحت مسمى تعز، نفس الأنساق، منظومة التفكير عينها، قواسم مشتركة بينها جميعا، كلها قوى متخلفة وتقليدية، ودمار يتناسل، وخراب يرث 

"محاولات اغتيال" طائر الفينيق


(لا علاقة لما حدث بما يسمى ثورة الشباب) هكذا قال علي صالح في كلمته الصوتية المسجلة التي تحدث فيها عقب إصابته في حادثة مسجد دار الرئاسة.
   وعلى ما في هذه العبارة من تبرئة للثورة مما حدث، إلا أنها كانت بشكل أو بآخر تجسد أو تنبئ بما ستؤول إليه الأمور بالنسبة للثورة التي ستواجه في الحال محاولة إقصائها من الدائرة وتحويل مسار الأحداث بعيداً

الربيع العربي: اليمن والنظام الأبوي


    أظن أن مواصلة الثورة أو استكمالها ليس في الاستمرار على نفس النسق أو المنوال وحسب، وإنما من خلال تمثيل تيار فكري اجتماعي حيوي، يكرس العقلانية والنقد والتساؤل، وهذا يستدعي أن تراجع الثورة خطابها وتعيد تقييمه في سبيل تبني خطاب أقوى، خطاب يمثل قوة موضوعية تفكك البنى

الربيع العربي: فيضان الهامش على المركز


   ثمة نقاش يدور في أروقة الفلسفة والفكر والاجتماع والأدب والثقافة حول ما بعد الحداثة يتركز كثير منه في كون فلسفة ما بعد الحداثة جاءت كردة فعل للحداثة أو امتداد نقدي لها، تقوم على أسس فكرية وفلسفية واجتماعية من أهمها فكرة إلغاء المركز ونسف المركزية وإسقاط الصنمية في

كمن يحلم دون أن يساعده أحد

كمن يحلم دون أن يساعده أحد

"مختارات شعرية للشعراء الشباب في اليمن"
ما بعد 2000م.

إعداد وتقديم:

أحمد الطرس العرامي
....
يمكنكم تحميل نسخة رقمية pdf من هنا:

من فعالية الاحتفاء بصدور (كأن نبياً خلف الباب)

صحيفة الثورة

الخميس, 19-يوليو-2012
-
نظم اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين، فرع صنعاء، يوم أمس في بيت الثقافة بصنعاء احتفائية خاصة بصدور الديوان الشعري الجديد «كأنّ نبياً خلف الباب» للشاعرالمبدع أحمد الطرس العرامي بحضور نخبة من الأدباء والكتاب والنقاد والمثقفين والمهتمين.
وفي الندوة التي اداراها الشاعر و الناقد علوان الجيلاني ,تحدث الجيلاني عن أهمية هذه الفعالية وأهمية العمل الشعري المحتفى به و مايمثله شاعره العرامي من ابداع متميز وتجربة رائعة لها خصوصياتها في المشهد الشعري اليمني الجديد .
وقدمت خلال ندوة وحفل الاحتفاء بالديون الشعري الجديد للشاعر احمد العرامي مجموعة من الدراسات والمداخلات الأدبية والنقدية من قبل مجموعة من الأدباء والنقاد , منهم :محمد الكميم وعبدالسلام الربيدي وجميل مفرح .
والتي تناولت العمل الشعري الجديد للعرامي وماتضمنه ديوانه من ملامح فنية وإبداعية متميزة , ابرزت مايمتلكه الشاعر المبدع احمد العرامي من موهبة وتجربة شعرية لها خصائصها وفرداتها وعوالمها المتفردة .
كماتناولت المداخلات النقدية الاضافات النوعية التي حملها الديوان والتي تعكس الرؤية الجديدة للقصيدة في تعاطيها وتعاملها مع واقعها المحتشد بالمتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم .
وقد قام الشاعر المبدع احمد الطرس العرامي بقراءة نصوص مختارة من ديوانه الجديد نالت اعجاب واستحسان الحضور .

الرمز المركزي‮: ‬رمزية اللِزَاب
صورة اللِزَاب تتواتر في‮ ‬الديوان بوضوح،‮ ‬ولظهورها أثر على المتلقي‮ ‬لا‮ ‬يقف عند ارتسام صورة هذه النبتة العطرية في‮ ‬الذهن بل‮ ‬يتعدى ذلك إلى إثارة ذاكرة الرائحة الخبيئة في‮ ‬اللاوعي‮ ‬،‮ ‬وستتعدي‮ ‬ذلك إلى إثارة الذاكرة الجمعية عند تعدد صور هذا اللِزَاب ليتوالد في‮ ‬علامات مجاورة في‮ ‬حقله الدلالي،‮ ‬فإلي‮ ‬جانب اللِزَاب‮ »‬يرذ‮« »‬الشذاب‮« ‬و‮ »‬الشقر‮« ‬و‮ »‬وريقة الحنا‮« ‬و‮ »‬بنت النبي‮« .‬
وللحصول على التفسير النفسي‮ ‬لتواتر ورود هذه النباتات العطرية في‮ ‬الديوان‮ ‬يمكن للقارئ أي‮ ‬يرجع إلى الاستخدام الثقافي‮ ‬الشعبي‮ ‬لهذه النباتات؛ ففي‮ ‬اليمن‮ ‬يستخدم الناس هذه النباتات العطرية الى جانب الزينة استخداما طقوسيا خاصة في‮ ‬مناسبات جماعية مهمة‮ »‬الولادة والموت‮« ‬كما‮ ‬يشير الشاعر في‮ ‬الهامش الذي‮ ‬وضعه في‮ ‬آخر ديوانه وهم‮ ‬يستخدمونه في‮ ‬تلك المناسبات لطرد الأرواح الشريرة وجذب الأرواح الخيرة،‮ ‬ولا بد أن هذه العادة قد تسربت إلى لا وعي‮ ‬الإنسان اليمني‮ ‬المعاصر من تقاليد طقوسية قديمة‮.‬
وما‮ ‬دام اللِزَاب‮ ‬يستخدم مع أخواته من النباتات العطرية في‮ ‬مناسبات‮ »‬الولادة والموت‮« ‬فإنه‮ ‬يفتح الباب أمام التأويل الفرويدي‮ ‬لغريزة الحياة والموت عند الإنسان؛ فطبقا لفرويد‮ ‬يعيش الفرد في‮ ‬حالة تجاذب بين النزوع نحو الحياة‮ ‬Eros‮ ‬والنزوع نحو الموت‮ ‬Thanatos‮. ‬ومن هنا نستطيع أن نقول إن النص قد انطوى على الصورة المقطرة من لاوعي‮ ‬الجماعة؛‮ ‬فاللزّاب فاعل رمزي‮ ‬يشير إلى قصة الجماعة مع الحياة من الميلاد إلى الموت‮.‬

جميل مفرح
‬حقاً‮ ‬تشعر وكأن نبياً‮ ‬خلف باب هذه المجموعة أو وراء أسوارها الأنيقة‮ ‬يرتل الشعر ويجود أداءه بصوت مهذب ولغة مرتبة وشاعرية ما أن تتهادى إلى مرورك حتى تستوقف كل حواسك،‮ ‬وتجبرك على الوقوف والتنصت بمتعة متناهية لما تمليه القصيدة بكل مقوماتها وبتاريخيتها وجدتها من فتنةٍ‮ ‬آسرة،‮ ‬لا تستطيع إلا أن تنقاد للخشوع لها والتأمل في‮ ‬مجمل تفاصيلها،‮ ‬والاعتقاد بلونها مرآة تقرأ من وراء الباب على سطحها كل ما تتمناه في‮ ‬هيكل كينونتك الظاهر،‮ ‬وتتهجى في‮ ‬كوامنها وسرياليتها المحكمة بإتقان سيرة الأنثى التي‮ ‬عشقتها أو التي‮ ‬ستعشقها‮ ‬يوماً‮ ‬ما‮.‬
كأن نبياً‮ ‬خلف الباب‮ .. ‬عنوان أشعر كلما أعدت قراءة هذا العمل وكأنني‮ ‬من وضعه على الناصية،‮ ‬أو كأنه موضوع منذ الأزل لهذا الديوان وظل في‮ ‬الانتظار حتى انتهى الشاعر من كل مشاغله وشواغله وعاد ليستعيده في‮ ‬اللحظة المناسبة،‮ ‬لحظة ولادة هذا الكائن الإبداعي‮ ‬الذي‮ ‬قد‮ ‬يكون واحدا من الأسباب لأن نستأنف محاولة الفكاك من ربقة الانزواء والانطواء وراء كل ما نتلصص عليه من قبح وشذوذ ونفور من حولنا،‮ ‬وكأنه لا‮ ‬يعنينا في‮ ‬شيء‮ .. ‬سبب لأن نهشم الاسمنت المتباهي‮ ‬على أفواهنا والجاثم على أرواحنا،‮ ‬ونعاود حياتنا الإبداعية كما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون‮ .. ‬لا كما تريدها مطامع الساسة اللاهثة وراء السراب،‮ ‬ولا كما تمليها أفواه وفوهات البنادق والمدافع والدبابات‮ .. ‬جاءت وتجيء أعمالنا الإبداعية اليوم ومنها‮ (‬هذا الكائن الخرافي‮ ‬الجميل‮) ‬لتجرنا من‮ ‬غيبوبتنا وتصفع مؤخرات رؤوسنا لكي‮ ‬تستيقظ قبل ألا تستطيع أن تدركنا‮ ‬يقظة،‮ ‬فتذرونا الأحداث والحوادث أو‮ ‬ينفثنا التاريخ كما تنفث الشاحنات عوادمها المؤذية‮.‬
وقائداً‮ ‬مجتهداً‮ ‬في‮ ‬البحث عن صوته واستخلاصه مميزاً‮ ‬خالياً‮ ‬من المؤثرات الجاهزة والمجانية‮.. ‬والشاعر أحمد العرامي‮ ‬في‮ ‬عمله هذا واحد من أولئك الذين لا‮ ‬يكتفون بإنتاج النص ومطابقة شروطه ومقوماته بما هو موجود ومتجدد وحسب وإنما‮ ‬يسعون إلى إيجاد بصماتهم وروائحهم على هيئة النص الجديد الذي‮ ‬يشهد التداول الإبداعي‮ ‬على سطح المشهد،‮ ‬ومن مؤسسة الجامعة وتخصصه الدراسي‮ ‬أطل الشاعر العرامي‮ ‬منذ الوهلات الأولى‮ ‬يتلمس مكانه المتميز في‮ ‬المشهد الثقافي‮ ‬بإنتاج نصه الإبداعي‮ ‬المفرط في‮ ‬العناية والوصاية من قبل روحه الشاعرة وحصيلته المعرفية والإطلاعية ليقدم نصه مختلفاً‮ ‬ومبارحاً‮ ‬حتى لذاته من تجربة مفصلية لأخرى بل ومن قصيدة لأخرى ومن مقطع لآخر،‮ ‬يبحث عن شاعر مأمول‮ ‬يشعر من‮ ‬يوم لآخر أنه موعود به‮.. ‬وسيناله‮.



من اليمين: الدكتور محمد الكميم، الشاعر والناقد: علوان الجيلاني، أحمد العرامي...
بيت الثقافة_صنعاء... 18/7/2012م.

أحمد العرامي الشاعر الذي استفزني فطاوعته


بقلم: هشام عبدالله ورو


حقيقة عندما أعتزم الكتابة عن تجربة ما لا بد لي من التأثر أولاً بشخصية صاحب التجربة ولم أصادف أن قدمت تجربة تعاملت فيها مع نص سوى هذا الديوان الأبيض الذي دفعني أن أتعامل معه بتجرد أي أتعامل مع حروف وورق إنه ديوان (ليس يحضرني الآن ) للشاعر أحمد الطرس العرامي الصادر عن مكتبة البردوني العامة بذمار تلك المؤسسة التي بحق أعادت الاعتبار للثقافة في عاصمة الثقافة المعاصرة ذمار التي تمتلك كماً من المبدعين والمبدعات الذين يساهمون في إنعاش المشهد الثقافي اليمني ذلك المشهد الذي تعد مكتبة البردوني أحد مكوناته.
وبالعودة إلى الشعر والشاعر فإني حدثت نفسي كثيراً ماذا سأكتب عن شاعر بحجم هذه التجربة التي بين يدي لكني أجزم أني تجاوزت تلك الحيرة بأن أبدأ تأملاتي بالمرفأ الأخير للديوان الذي أثر في نفسيتي كثيراً كونه حاكى واقعاً قد يكون العرامي شاركني فيه دون ما يشعر:
الآن قلت جميع ما عندي,
ولكن:
ليس يحضرني دمي
لأقوله وأطير...
سوف أقص هذا الجزء من رؤياي:
أوشك أن أطير إليك
يا أبتِ
فيخذلني الغياب .
هذا هو لسان حال كل نفس ذاقت ولو للحظة فقدان أغلى شيء في الحياة وقد طرحه الشاعر بسلاسة جعلتني أشعر أن هناك جرح غائر وأعادت بي الذكريات إلى طفولة بريئة كنت أحلم أن تعود ولو لبرهة كي أتأمل وجه أبي لكن العرامي سامحه الله وحفظه نكأ هذا الجرح :
أوشك أن أطير إليك يا أبت فيخذلني الغياب .
إنها لغة القلب وليست لغة الشعر وحده ,اعترف أني أمام تجربة رمزية تعيد تفاصيلها في كل مرور كريم فهناك ما يوحي بقضايا عدة عمد الشاعر إلى الاختباء فيها في صورة فنان تشكيلي أطلق لريشته العنان متحدياً لغة الصورة ليضرب في الرمزية بعدها ففي تصويره لوجوه الأصدقاء تشعر أن الشاعر يعاني من قضية ما في هذا المنظور لكنه لم يصرح به من أول وهلة بل اختبأ ومشى في حافة الشعر حتى لا يصطدم بالتقرير ليجد نفسه وصل بأمان إلى قلب المتلقي دون عناء فما أروع تلك المحاكاة لوجوه أصدقائه:
الأصدقاء العابرون سبيل مرآتي
على مهلين
يدخرون رمل الحرف والحجر الملائم
للهروب من التورطـ فجأة ـ.........إلخ
أي مرآة رأيت بها وجوه أصدقائك هل هي مرآة الانتظار لزمن القبح أم هي المعاناة التي لازمتك من تلك الوجوه التي ألبستها أحذية الموت وهذه صورة لم استوعب مداها أيها الصديق العزيز لكني أجزم أنك تتحدث عن صداقة من نوع جديد علينا كمشتغلين بالكتابة أن نبدلها إسماً جديداً كون اشتقاق الصدق لا ينطبق على ما حمله عنوانك القصيدة ,ويكفيني دفقتك الذاتية التي حملت كماً من الزفرات التي سمعتها وأنا أقرا هذا النص:
لا طعم للكلمات ,
مرٌ في فمي عسل الكتابة,
نكهة المعنى بلا معنى,
ورائحة الحروف كريهة جداً
ومالحة وجوه الأصدقاء.
حقيقةً وأنا أقلب صفحات هذا الديوان الأبيض كثيراًًً ما تستفزني العناوين فمثلاً عند محاكاة الشاعر لنفسه كشاعر مسه الشعر (إني مسني الشعر)لقد استفزني هذا العنوان حتى جعلني أرجع بذاكرتي إلى بعض القصص القديمة التي تصور الشعراء بالجنون تارةً وبالسحر تارةً أخرى وما إلى ذلك من الصفات التي أُلحقت قسراً بالشعر نتيجة لأحداث ما على الرغم من أن الشعر ظل الرسالة الخالدة وهو الذي أبقى على حياة الشعراء مئات السنين وأعتقد أن أحمد العرامي هو من بين الشعراء الذين لن يموتوا على الرغم من تكراره لكلمة الموت في نصوص الديوان كثيراً لكني أجزم أنه سيخلد خلود المتنبي الذي مازال حياً بشعره حتى اليوم:
علمت قلبي أن يناغي نجمة الشعراء ,
أن يقضي مساء الوجد
منتظراً بزوغ الماء..
تدرون أني كتبت بزوغ الفجر ولم أدرك أني أخطأت إلا وأنا أراجع الكتابة فهي في النص بزوغ الماء وأريد أن أقول لشاعرنا متى يبزغ الماء وفي أي وقت إنها أخيلة الكبار
ودهشة الصورة التي تقف بالمتلقي متسمراً بقدميه حتى لا يتجاوز النص إلا بعد أ يقرأه أكثر من مرة .
عشرون عاماً مر على وفاة أبي ولم أستطع رثاؤه بمقطع واحد ولكني أجزم أن الشاعر احمد العرامي كان عزائي الوحيد فقد رثيت أبي بنصه الذي جعلني أنكسر أمام ذكرى فراق أبي وأيام اليتم القاسية التي ما زلت أشعر بها إلى اليوم ما أجمله وهو يناجي أباه بهذا المقطع المؤثر جداً:
أبتاه...
من سيضمني .
......
أبتاه
ما ذنب القصيدة؟
والقصيدةُ
كلما مدت يديها لي
مددت لها جراحي.
لم يكن بمقدوري الإبحار أكثر فديوان كهذا أكبر من أن تسعه مساحة هذه التأملات وأعترف أني كنت أخوض في معركة غير متكافئة مع صاحب تجربة أكبر من أن تستوعبها تأملاتي التي أتمنى أن تكون فاتحة لقراءات عدة في نصوص هذا الديوان المفعمة بالشاعرية وأجزم أن الشاعر أحمد العرامي شاعر القصيدة الحديثة بامتياز وصاحب المدرسة التي جمعت بين الحداثة في الشكل الشعري والتمسك بجزالة المعني الذي يسري في سلسبيل من العذوبة والشجن التي جعلت من حروف الديوان نبضات قلب ذلك الشاعر المفعم بوجدان صادق و قبل أن أختم هذه التأملات أهنأ الشاعر على انتقائه البديع لتلك العناوين التي لو جمعت لشكلت قصيدة حداثية راقية ففيها من الرمزية والصورة الشعرية ما يجعل تلك العناوين فاتحة مهمة لمسامات هذا العمل الشعري الكبير .

26/1/2011
م