Ads 468x60px

قراءة في "كأن نبياً خلف الباب" للشاعر أحمد العرامي


قراءة في "كأن نبياً خلف الباب" للشاعر أحمد العرامي
سبأ عباد
شاعر يضعك على حافة السؤال منذ العتبة الأولى أي عتبة الديوان ،عندما يفتح لخيالك فضاءً أوسع تحلق من خلاله برمزيته وكثافته الشعرية الجميلة ،إذ يضعك أمام سؤالين مهمين أوليين قبل أن تبدأ رحلة القراءة في متن النص الذي يمثل الديوان بأكمله..(كأن نبيا ً خلف الباب ) فمن هو النبي يا ترى ؟؟؟ وما هو الباب الذي يقف خلفه هذا النبي؟؟
ليس هذا وحسب فبمجرد أن تبدأ الغوص في صفحاته الأولى متماهيا مع النص حتى تكتشف أن للنص أبطالا
يتناوب الحوار فيما بينهم ،وزمانا يتنقل ما بين الحاضر والماضي ،في بنية سردية عميقة ،حبكة تشتد وتهدأ من مشهد لآخر ، المكان وخصوصيته التي تتشبث بها كل تفاصيل النص ،وتنطق باسمها ، من خلال استخدام
مجموعة من الرموز والعلامات والمصطلحات الشعبية وتوظيفها توظيفا دلاليا ذكيا في النص . واضعا لها أدوارا أساسية لا يمكن تجاهلها ."اللزاب ،الشذاب،الشقر،السمّاية ، البالة، وريقة الحنا، بنت النبي ،الزامل ....الخ"
البطل الأساسي في النص هو (اللَّزابُ) والذي يحيلنا مباشرة إلى لهجة الشاعر ومنطقته وهذا توثيقٌ للمكان،
واللزاب أو الإزاب هذه العشبة العطرية التي تسمى في الفصحى "بالبردقوش" الذي له حضوره في الموروث
الشعبي في الموت والمولدغيره ،كما إنها عشبة طبية تستخدم للتطيب و التداوي من بعض الأمراض،بالإضافة إلى إن الزيت المستخلص منها يستخدم كمادة منومة ، وأجد مثل هذا الاستخدام موظفا في النص في أحد
جزئيات النص
عندما يقول :
والآن سأمضي
قال (اللِّزابُ)
وخدّرني حتى شخت
وقلت كلاما
يشبه هذا المكتوبَ على ورق اللعنات

وهذا يعني حسب هذا المقطع الشعري إذا ما قرأناه تبعا لهذه الدلالة ،أن النص كُتب نتيجة لتأثير هذه العشبة
،أو أن ذلك كان من قبيل الصدفة.
"الشذاب " والذي يقف في الجهة المقابلة للرمز السابق ويعاكسه إذ أنه يحمل دلالة الفرح والحياة للسابق
بينما يحمل الأول دلالة الموت في أغلب الأحيان..
فعندما يقول الشاعر :
كانت الأبواب تفتحنا
لريح في مهب (وريقة الحنا)
وتغلق نفسها
في وجه جارتنا
كأنا ما أتينا منذ رائحة (الشذاب )
أي منذ الولادة
ثم يواصل ..
وصرخة اللزاب
من ألف القصيدة نفسها .........الخ
إن اقتران لفظة (منذ) بكلمتى (الشذاب ،وصرخة ) وكلها تحيل إلى معنى واحد هو البداية والولادة لـ (اللزاب )
،ولكن ما لا نعرفه هو ولادة من بالضبط؟ وما هي الدلالة التي يحيل إليها هذا الرمز الذي يقول الشاعر إنه أصبح حكايته ، وإنه أصبح يديه ؟فهل هو حلم الشاعرأو أنها ذاته ؟؟
إذ إننا نجد بين سطور الشاعر تعريفا له عندما يقول في :
هذا (اللزاب )
أخي في الصمت
أخي في الموت
أخي في لون الخجل البحري
أخي في خجل البحر
أخي في البحر
أخي في البحر بما فيه
أخي في (اللزاب)
وهنا نلاحظ كيف يتدرج الشاعر من الجزء إلى الكل حتى يصل إلى الذات الأخرى التي يتحدث عنها بأكملها ..
وفي صفحة أخرى يوكل إلى الراوي مهمة وصفه في أحد المشاهد وهو في يد محبوبته :
كان اللزاب نحيلا جدا في يدها
ويكرر وصفه في أكثر من مشهد :
كان اللزاب يغني مثلي
ثم يفاجئنا في إحدى اللقطات الشعرية عندما يصرح لنا بأنه رجل ٌ تهواه امرأة في السماية وتخطبه من بين
الأولاد..
يرتبط اللزاب بالرمز السابق وهو الباب الذي وضعه أمامنا منذ العتبة الذي نجد له تعريفا عند الشاعر في أول صفحة في الديوان إذ يقول :
أضيع مثل الندى المهووس ،ذاكرتي نصف غياب ، وكل الباب موالي

بينما نجد دلالة النبي في آخر صفحة وآخر جزئية في النص إذ يقول :
يا ابنة الجيران هذا وجعي
سأسميه سماء مفرغة
سأسميه نبيا ثملا ً
سأسميه نبيذا ولغة ..
من هنا نجد أن النبي الذي يظل واقفا خلف الباب هو الوجع ، وأن الباب هو موال الشاعر وقصيده ،
وكأنه يقول في ترجمة للعنوان :
كأن وجعاً خلف الشعر ..
هذا بالنسبة لبعض الرموز ودلالاتها ..
نجد استثمارا للسمايات مثل (وريقة الحنا )أو( ورقة الحنا) الفتاة الجميلة المظلومة والتي تتطابق مع شخصية "سندريلا"، استثمارا للبالة ،للزامل ،للبلبلة،أيضا للنشيد مثل طيري طيري يا طيارة .
نجد تناصا مع آية قرآنية في قوله :
وقل
هذا ربي
هذا أكثر
من مرآة
وأقلُّ
أقلْ
نجد أيضاً استثمار الشاعر للصوت بصورة واضحة في النص في أكثر من صورة وأكثر من مقطع منها قوله :
في صفحة 48:
وكان يبلبل
من في الباب ؟
تِرم تِم تِم تِم
من في الباب ؟
طِرق طِق طِق طِق
وفي مقطع آخر:
ودارت رائحة الجارة
دارت
دارت
دارت
حتى دار الأفق

أخيراً ..
عندما نقرأ قول (اللزاب) في أكثر من مقطع :
والآن سأمضي ..
نلاحظ ظهور الراوي الذي يتحدث عنه بـ(كان اللزاب ) لينتقل زمنُ اللزاب من الحاضر إلى الغائب ثم يعود
اللزاب من جديد مرة أخرى وهكذا في كل مرة .. ثم يقرر أن يرحل مرة أخرى فيقول :والآن سأمضي وهكذا
يظل الصراع بين الحضور والغياب بين الموت والحياة قائما إلى أن تشتد الحبكة ويبلغ الصراع ذروته عندما يلتقيان في ص 36
قال اللزاب لها
هذا الراوي
فابتسمت وأدارت خاتمها
وابتسم (اللزاب)
ودحرج غمزته صوب الراوي .
إلى أن يُحسم الأمر ويكون الغياب أمرا صريحا حين يقول في صفحة 47:
غاب اللزاب
وغاب رنين يديكِ
فلا تدعي قمرا يدخل من فتحة هذا الليل..


عن تكوين مكتبة التكوين


 عن تكوين مكتبة التكوين
ألتفت إلى الوراء فأجد طفلاً في القريةِ يأكل الكتب الملقاة في رفوف الغبار وأوراق الجرائد (تلك التي كانت تغلف بها ملابس أحد المغتربين القادمة من مغسلة في المدينة مثلاً) المرمية تحت النوافذ أو فناءات البيوت، يلح عليه هاجس الأدب والشعر فيقرأ كل ما يقع في يده، ليس بوسعه الانتقاء، أو الحصول على الكتب التي يريدها، ذلك أن مكتبة البيت لا يكاد يتجاوز عدد الكتب فيها ثلاثة كتب، ثلاثة كتب أحدها القرآن الكريم بتفسير الجلالين، أما الكتابان الآخران، لا أذكر أنه كان لدينا كتابان آخران... لنقل أنه كان لدينا ثم تمزقا او تعرضا للسرقة.
بين الحين والآخر كنت أجد كتاباً مرمياً هنا أو هناك، من رجل المستحيل إلى السلسلة الخضراء إلى الكتب الدينية، كان ذلك في طفولتي البعيدة، بعدها لا أكاد أتذكر أني وجدت كتاباً يستحق الذكر، فيما عدا كتاب واحد وكان ذلك أغرب ما حصل وأكثر التصاقاً بذاكرتي حتى إني أشم رائحته الآن وأكاد أقلب صفحاته بين يدي..
 في زاويةٍ مظلمةٍ من الدرج المؤدي إلى سطح البيت حيث لا يمكنك أن تمر إلا بصعوبةٍ ذلك أن الدرج كان مليئاً بالمهملات وأدوات الخردة وبالكاد تعبره.. وجدت كتاباً بلا غلاف وبلا أي دلالة على اسمه أو مؤلفه، ورق من القطع الصغير مائل إلى الصفرة تتراص عليه أبيات من الشعر العمودي، نفضت عنه الغبار وبدأت في قراءته بدا لي شعراً غربياً لم تستسغه ذائقتي المعتادة على الشعر العربي الذي نتلقاه في المدرسة... لكني قرأته أكثر من مرةٍ، ولم أكن أعرف ما اسمه ولا من مؤلفه... ولم يكن لدي خيار سوى قراءته... ومن ثم التعلق به اضطراراً...
كنت أعاني جداً من شح الكتب، وكانت الإذاعة أهم مصادري المعرفية، بالإضافة إلى كتاب الأدب والنصوص... لم أكن أدخل مرحلة تعليمية إلا وقد قرأت كل نصوص الكتاب المقرر لها، كان هذا قبل أن أجد ضالتي في مكتبة أستاذي "خريج الفلسفة" وصديقي الجميل الآن (علي يحيى العرامي)...
كانت مكتبةً غنيةً بمختلف أنواع الكتب والدوريات: مجلة العربي، عالم المعرفة، بعض الدواوين الشعرية، كتب الفلسفة وعلم النفس، قرأت أرسطو وأفلاطون، وكتب التحليل النفسي... لم أكن أفهم كثيراً لكني قرأت... قرأت بعض كتب عالم المعرفة...  قرأت دواوين البردوني المتوفرة في المكتبة، كتبه النثرية، كتاب أشتات أكثر من ثلاث مرات، اليمن الجمهوري، الثقافة والثورة، فنون الادب الشعبي... أسلوب البردوني المتميز بالاستطراد كان كفيلاً بأن يضيف لي الكثير والكثير... بعدها مباشرةً بدأت بتكوين مكتبتي الخاصة.
مكتبتي الخاصة عبارة عن الكتب التي كنت (أنهبها) من مكتبة أستاذ الفلسفة وصديقي الأستاذ علي يحيى، وكان أهمها كتب جبران خليل جبران (المواكب، الأرواح المتمردة، الأجنحة المتكسرة، البدائع والطرائف، النبي...) وبعض كتب طه حسين، دواوين: أحمد شوقي، نزار، أحمد مطر، إيليا أبو ماضي، إبراهيم ناجي...السياب,,, كانت هي كل مكتبتي وما زال بعضها معي حتى الآن... عليّ أن أعترف أيضاً قبل أكثر من ستة أشهر، زرت القرية وزرت صديقي وأستاذي في منزله واختتمت أعمال (نهب) كتبه بنهب كتاب اسمه (الأنثروبولوجيا) ذلك أن تلميذه صار مهتماً بالأنثروبولوجيا، وفي نظر أستاذي هذا يستحق التغاضي، وربما التصالح مع الأمر تحت قاعدة شبيهة بقاعدة ( المسروق مقروء) التي سمعتها من أستاذ الأدب العربي في الجامعة والذي بدوره (نهب) علي مجموعةً من الكتب.
على كلٍّ ظلت تلك الكتب (المنهوبة) هي قوام مكتبتي لم أضف إليها شيئاً إلا فيما بعد حين كنت أذهب صنعاء في الإجازة لدراسة دورات الكمبيوتر، كنت أعود بمجموعة من الكتب أهمها كتب البردوني النثرية ودواوينه التي كانت أسعارها تناسبني جداً، لدرجة أنني كنت أشتري نسختين من الكتاب الواحد أحياناً، اشتريت (لعيني أم بلقيس، جواب العصور، السفر إلى الأيام الخضر، مدينة الغد، كائنات الشوق الآخر... ترجمة رملية لأعراس الغبار) هذا الكتاب الأخير اشتريته من مكتبة في "الصافية" قريبة من فندق (نيس بلازا) وبدأت أقرأه في الشارع وأضحك كالمجنون إنه الكتاب نفسه... الكتاب نفسه الذي وجدته في درج البيت ولم أدر من مؤلفه. ولا ما اسمه. وتعلقت به اضطراراً...
كنت أعود بهذه الكتب إلى القرية لأؤثث بها مكتبتي، بالإضافة إلى كتب أخرى كنت أنهبها من أصدقائي المتواطئين مع عادتي في النهب... أذكر منها (جواهر الأدب لأحمد الهاشمي) قرأت هذا الكتاب بمعلقاته وقصائده، وخطبه ورسائله واختياراته التي تغطي الأدب العربي من الجاهلية وحتى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم... ثم تلك الكتب التي كان يضيفها عامر أخي إلى مكتبتي، ولعله مثل لي أهم المصادر لاحقاً إذ كان يأتيني بالكتب وقصاصات الجرائد من صنعاء (كان حينها جندياً في الأمن المركزي وطالباً في كلية الشريعة)، جاءني بأعداد من مجلة الثقافة ديوان ابي العلاء، المتنبي، أبو تمام، وأخيراً فن الأدب... لتوفيق الحكيم، هذا الكتاب بالتحديد كنت أود أن أكتب عنه هذا المقال، أخرجته من المكتبة، وضعته أمامي، شرعت في الكتابة غير أني استعذبت صحبة الذكريات، وتركته أمامي إلى جوار مجموعة من الكتب التي لم أقرأها بعد، مجموعة من الكتب التي اقتنيتها من معرض الكتاب في القاهرة قبل حوالي شهرين، وما زالت متراكمة فوق بعضها على الطاولة أمامي لم أفتح أياً منها... سأفعل بالتأكيد... لكن لا أدري متى!!
أحمد الطرس العرامي

لا يد لي..


لا يد لي..

لا يد لي كي أقبض التعب
لا أصابع لي كي أتحسس المطر،
لا يد لي في كل ما يحدث
في الخارج
لا يد لي حتى في يد حبيبتي،
ربما
أسندت المرتبك من الحب إلى
جذع أمي،
أو مثلاً:
خشب الكنايات المحترق
جففته من الندم،
أو لنقل: رميتُ لقطةِ الضجر
قطعة موسيقى،
أقصى ما فعلته
غير هذا
هو أني
ولدتُ من أبوين يمنيين
كي أكتب قصائد
في رثائهما،
أعني أنني لم أخلق
هذا العالم البائس والمثقوب
لم أخلقه
يا ألله
ومع ذلك يبدو
كما لو كان فكرتي السيئة..!!

أحمد الطرس العرامي

الأشياء النافقة..


الأشياء النافقة...

كما لو أن الفتيات اللواتي أحببتهن يأكلن المرايا في الجوار
ويطعمن الغرباءَ رسائلي
كما لو أن امرأةً تتسرب من بين أصابعي
فلا يوقف نزيفي أحد
كما لو أني أفتح هدية حبيبتي الأخيرة
فلا أجدها بداخلي
كما لو أن خللاً في المرايا
لم يحدث
ولكن وجهكِ _ككل الوجوه_
لا يستطيع أن ينزل في المرآة الواحدة مرتين،
تماماً
كما لو أن البحر لا يحتفظ بالجثث في جيبه
لسببٍ بسيط ومنطقي:
الأشياء النافقة لا تصلح للذكريات...
أحمد الطرس العرامي

توكل... "حلم يقظة"!!


توكل... "حلم يقظة"!!
   ثمة صيغة لغوية/نفسية في خطاب توكل تستحضر ذاكرة من الضجيج وتحيل إلى الظواهر الصوتية الفارغة من الداخل، إلى الحد الذي يصل فيه الخطاب إلى تأكيد دامغ على مشكلة نفسية تتعلق بتقدير الذات، وأنا هنا أترك للقارئ ولتوكل ثلاثة من منشوراتها في صفحتها في فيس بوك نشرتها في أوقات متفرقة وأترك له/ا الحكم والموقف تجاهها... (ما ترك لي قول الحق من صديق) (لو فعلها الرئيس عبدربه .. وصحت الأقاويل بأنه سوف يرقي ويكرم قاتل الشباب المخلوع علي صالح .. أقول لو فعلها فإنه لن يستطيع معي صبرا!!)... (أسقطت بالفيس بوك ألف خليفة... واقمت بالفيس بوك الف حوار).
    توكل _في ظني_ بحاجة إلى رصيد نضالي ومدني متراكم، بحاجة إلى تجربة طويلة مثقلة بالخبرات والأثر، ناهيك عن شرط النضج واستشعار المسؤولية، بدلاً من التنقل بمعية كاريزما نوبل. والحصول على مكاسب شخصية، والتقاط الصور. ذلك أن أهم إشكالية تقع فيها صاحبتنا هي عدم وعيها بدورها أو فهم السياق السياسي الشخصي الذي حصلت في ضوئه على نوبل، وما يتحتم عليها القيام به إزاء ذلك إن كانت تريد أن تتمثل دورها الحقيقي المرجو منها في ذات السياق.
    لا يكاد يخفى على أحد أن مسيرة توكل الحياتية مهما كانت غنيةً وثريةً فإنها لم تكن قد وصلت بها إلى درجة الحصول على جائزة نوبل في ظل وجود شخصيات عربية ذات رصيد كبير ومؤثر حتى في سياق ثورات الربيع العربي، وأنا هنا لا أقلل من شأن حصولها على الجائزة، لكني أود أن أشير إلى أن حصولها على نوبل لم يكن تقديراً لمسيرتها الحياتية، بقدر ما كان اعتباراً لها كمشروع سياسي مستقبلي، وأقول لها أنه يمكنها أن تكون ذلك المشروع المستقبلي أو تحترق.
   فوز توكل كرمان بنوبل لم يكن تتويجاً لرحلة نضال طويلة استحقت عليها هذه الجائزة، كما هو الحال مع الليبيريتين، بقدر ما هو تكليف بقيادة عملية إصلاح اجتماعية دينية وصناعة نموذج للمرأة المسلمة يؤمل منه أكثر مما قدمه حتى الآن، ولا زلت أتذكر تقريراً صحفياً غربياً نشر في إحدى المواقع العربية، قرن فوز توكل رغم أنها في بداية مشوارها، بفوز أوباما بنفس الجائزة رغم أنه لم يكن قد قدم شيئاً لقد وصف كاتبا التقرير الأمر على أنه بمثابة (حلم يقظة).
     حلم اليقظة الذي تمثله توكل هو كونها امرأة، في مجتمع محافظ ومن تيار ديني سياسي يمثل بالنسبة للغرب أهم تيارات الاسلام السياسي الذي اتضح توجه الغرب نحوه إبان الربيع العربي، كما لو كان منح هذه الثورات أيديولوجيةً ما، ومنعطفاً جديداً من العلاقات بين الغرب الليبرالي والإسلام، اتصف بانتهاء المواجهة مع الإسلام (المتطرف) وفتح جبهة جديدة اسمها حرب الأفكار، تمثلت في التحالف مع الاسلام السياسي ذي القابلية للتطور ومحاولة خلق ثورة داخله اسمها (تحديث الإسلام من الداخل) وردم أهم الفجوات أو مناطق التوتر بينه والغرب الليبرالي، وأهمها (المرأة، الجهاد، التعايش، الأقليات).
    بدت توكل نموذجاً مهماً داخل هذه التيار، أثبتت من خلال نشاطها الاجتماعي السياسي إمكانية توافق الإسلام السياسي أو تماشيه مع الديمقراطية الغربية، ولكنها لم تصل بعد إلى الحد الذي تمثل فيه حركة أو تياراً أو ظاهرة، وبالإمكان أن تكون ذلك، وما على نوبل سوى أن تختصر لها الطريق إنه بالفعل (حلم يقظة). لم يبد على توكل انها تستوعبه، بينما ظلت تفهمه أو ظل خطابها يقول أنها تفهمه في إطار الثورة اليمنية، بينما كان يتسرب داخل خطابها بين الحين والآخر ما يشي بوعيها بدورها المستقبلي، مثل تركيزها في كثير من المقابلات واللقاءات على أمور من قبيل (العولمة، العالم الآن شيء واحد، الحقوق والحريات، تأثرها بمارتن لوثر). إلا أنه ليس لذلك كما يبدو أي انعكاس على الصعيد العملي، الواقعي، بما يتناسب مع حجمها الذي صارته على الأقل.
  صاحبتنا بحاجة إلى خطاب متزن في هذه المرحلة، وبحاجة إلى دور مجتمعي فاعل داخل المنظومة السياسية التي تنتمي إليها، لا الدفاع عنها وعن فتاواها التكفيرية، ولا التفكير في إطار كونها واحد من مراكز القوى، والتصرف بعقلية لا تختلف عن عقلية حميد الأحمر البتة، وإلا ما الفرق بين إدعائية حميد الأحمر حين يتحدث كما لو كان هو الذي انتزع صالح من منصبه، وضجيج توكل وهي تقول نفس الأمر، ذلك أن التصرف بعقلية شيخ أو بوعي أبوي تجاه الثورة والثوار، يناقض كل الميزات التي يمنحها السياق لتوكل ويوقعها في حرب مع ذاتها أو مواجهة مع نفسها أكثر من كونه تناقضاً، إذ كيف يمكن لامرأةٍ تمثل تيار الإسلام السياسي المعتدل أن تخرج لتقايض الجنوبيين حين نادوا بمحاكمة (أصحاب الفتوى التكفيرية في 94)، تقايضهم بمحاكمة هادي الذي قالت بعد أيامٍ عنه (هذا ابني).
أحمد الطرس العرامي

الرئيس ""الذي لا تحتمل خفته"!!


الرئيس ""الذي لا تحتمل خفته"!!
يتمتع هادي بمزايا منصب "رئيس جمهورية"، بينما لا يتحمل أدنى المهام أو المسؤوليات الملقاة على عاتقه بحكم هذا المنصب.
ليس لدى هادي أي إمكانية واضحة لتجسيد السلطة الرمزية التي تجعل منه دفقة من الإلهام أو حالة من الحضور السياسي، كما أنه لا يمتلك واحد في المائة من صفات البطل أو القائد التاريخي، وليس لديه في سيرته الذاتية سوى مآثر شخصية، لم يكن لها أي انعكاس على عمله الوظيفي أو موقعه، ومع هذا ليس المؤمل منه سوى أن يقوم بما يحدد له موقعه أو منصبه من مهام أدائية إجرائية وظيفية وحسب، أو يمارس الحد الأدنى من حزمة الصلاحيات والمهام التي يكلفه بها منصبه.
لا نريد منه أن يكون بطلاً تاريخياً ويخرج اليمن من المأزق الوجودي الذي وقعت فيه على حين ثورة، لكننا نريد منه على الأقل أن يكون رئيسا للبلاد بأقل ما يمكن لأي رئيس في العالم أن يفعله لبلده، لكن الرجل كما يبدو لديه موهبة عالية تمكنه من التخفي وراء الأنظار، وتنمية _وربما خلق_ انطباعات وتصورات لدى الناس عن (ضعف شخصيته) وهي طريقة _لا أدري كيف_ يمكنها أن تكون مناسبةً بالنسبة لشخص يريد أن يتخفف من تكاليف أي موقف يحتمه عليه السياق، وفي نفس الوقت لا يريد أن يقول أنه ليس أهلاً له.
يحتدم الصراع في البلاد أكثر وأكثر بينما هادي صديق الجميع، هذا ما يبدو عليه، وليس مطالباً بعداوة أحدٍ لمجرد العداوة، غير أنه معني بالبلاد ومصلحتها وما قد يتطلبه وضعها وتسيير شؤونها من مواجهةٍ وصدامات تترتب على اتخاذ مواقفٍ وتقرير مصائر.. فكيف له أن يظل هكذا دون أن يكون في مواجهة جليةٍ مع أي طرفٍ إلا بقدر ما يريد أن يرضي أطرافاً أخرى أقوى أو يحتاجها أكثر.
 واليمن ليست بخير، وهو لا يقول ذلك ولا يلتفت إلى الناس، يتفرج من خلف ستار يواريه من أي نقدٍ يمكن أن يوجه له في حين أن المنطق يقول أنه المعني بكل القضايا، والمسؤول المباشر عن كل ما يحدث. لكنه لا يحب الأضواء!! ليس لأنه زاهد فيها لكن لأن الأضواء تجعلك في مرمى كل نقدٍ، ونحن تعبنا من استراتيجيته هذه التي يتجنب بها المسؤولية المباشرة ويترك الأطراف تتراشق فيما بينها، بينما لا يكاد يوجه إليه أي نقد أو يحمل أي مسؤولية... ولست أدري هل أنا وحدي من يشعر بريبةٍ غير عادية تجاه هذا... أو تجاه كون الرئيس هادي غامضاً وصموتاً في مشهد سياسي يكاد كل شيء فيه يكون مكشوفاً حتى أن كثيراً من أسرار الدولة وما يدور وراء الكواليس السياسية في حالة انكشاف غير مسبوق بينما الشيء الوحيد الغامض والضبابي شخصية الرئيس ومواقفه...
ظل هادي نائباً لرئيس الجمهورية منذ 94م، وحتى 2012م، بدا خلالها كما لو كان غير موجود على الإطلاق، مكتفياً بحضور حفنة من الاحتفالات أو المهرجانات التي كان ينقل فيها تحيات الأخ الرئيس، دون أن يلعب دوراً حقيقياً أو يظهر كنائب فعلي على الواقع السياسي، حتى لتتخيل صالح مبتسماً بقدر عالٍ من الرضى _وربما الامتنان_ على هذا النائب المثالي الذي كما لو كان مفصلاً وفقاً لمواصفاته... شيء من هذا الرضى أو ذاته تجاه هادي بدت تتقاسمه أطراف وقوى الصراع مطلع الأزمة، هذه الأطراف والقوى التي اختلفت في كل شيء واتفقت في تغليب مصالحها وشخصية هادي. وأنا شخصياً لا أمتلك أي تفسير لهذا، غير أني أعرف أن هادي يفضل الخفة على الثقل. إذ يبدو متخففاً من كل الأشياء، من كونه أحد حلفاء حرب 94م... الحرب التي قفزت به إلى منصب نائب الرئيس، ليكون ممثلاً للجنوب أو أيقونة تجسد الحضور الجنوبي في الحكم تاركاً الجنوب نهباً لقوى الشمال، متخففاً من كونه رئيساً للجمهورية منذ 2012م بما تتضمنه فكرة (الرئيس الجنوبي) من استحقاق للقضية الجنوبية والجنوب، كما هو للشمال في دولة مدنية ووطن "ابن ناس"، من الثورة التي جاءت به إلى الرئاسة من دم الشهداء، من استحقاق المرحلة، من فداحة فوضى البلاد، من مهزلة تصارع القوى، من الخجل الذي يشعر به أي يمني إثر كون بلاده أصبحت (محوى) لصراع حمير العالم، من الغصة التي تخنق هويتنا في ظل لا معقولية ما يحدث، من أدنى شعور بالإهانة الشخصية كونك رئيساً لبلادٍ طنين الموتورات فيها أعلى من صوتك، ودوشة "حفار بئرك الارتوازي" في حوش منزلك أعلى من خطابك السياسي، من تمخطر القتلة والمأزومين وعربدتهم فوق صلعة الوطن السياسية، من أنة البلد المنهك أثقلته الأوبئة والقذارات ومخلفات القبائل ونفايات الألفية الثالثة وفوق هذا تلقي يا أخ هادي فوق تعبه بكل الثقل الذي تمثله خفتك... "خفتك التي لا تحتمل".
أحمد الطرس العرامي

الصراع الجنوبي _ الجنوبي


الصراع الجنوبي _ الجنوبي
ضاقت البلاد بنا، في حين تبدو حلبة الصراع مترامية الأطراف في حالة غير مفهومة من تزايد القوى المتصارعة وتكالبها أكثر ما يمكن لأحلامنا الهزيلة أن تحتمله، ولطاقة الوطن المنهك أن تنوء به...
ومثلما ضيع الثورة وأحلام الناس صراع قوى المركز في الشمال، سيعزز صراع قوى الجنوب الذي يحتدم الآن في ساحةٍ غير مرئيةٍ وبتفاصيل مبهمة وأشد غموضاً. سيعزز من ضياعنا هذا أو على الأقل ضياع قضيةٍ عادلةٍ كالقضية الجنوبية يمكنه أن يطحنها تحت أقدام أطرافه. كما أنه سيخلق حزمةً كافيةً من مبررات وجود أو استمرار وجود قوى الشمال التقليدية، واتساع مساحة اللعب التي يمكنها أن تتحرك فيها.
والواقع أنها _قوى الشمال_ لم تعد وحدها هي التي تتصارع، المؤشرات تقول أن ثمة صراعاً جنوبياً_جنوبياً أبعاده وخلفياته السياسية والتاريخية كانت مرجأة، أو كامنةً وعادت لتطفو على السطح مجدداً، ذلك أن ما آل إليه المشهد السياسي بعد الثورة والمبادرة الخليجية وخروج صالح من السلطة قد ترتب عليه أمران في غاية الأهمية: أولهما: ظهور أو عودة القوى السياسية الجنوبية التي كانت مقصاةً في الخارج إلى الواجهة وعلى رأسها علي سالم البيض، والآخر: صعود القوى الجنوبية التي في الداخل وعلى رأسها الرئيس هادي.
ولو جاز لنا أن نصنفهما كقوتين فسنجد أن كلاً منهما تقف على الطرف النقيض من الأخرى ومن يتأمل في حقيقة كل واحدةٍ منهما، وطبيعتها، سيجد أن ثمة أرضيةً خصبةً يمكنها أن تهيئ للصراع بينهما، وتعزز من إمكانية أن نكون مجدداً (مع اختلاف في الكيفيات ومساحة اللعب وأدواتها) أمام مواجهة جديدة ومناورات سياسية تحت رايتي (الطغمة، والزمرة). وإن اختفت التسميتان اللتان يعرفهما جيداً جنوب الثمانينات وهما تشيران إلى القوتين اللتين ظلتا تتصارعان في الجنوب حتى وصل الصراع بينهما ذروته متمثلاً في أحداث (86)، حين تناحر جناحا الحكم في الجنوب، تيار الزمرة (تيار الاشتراكية المعتدلة والهوى المناطقي الأبين)، و(تيار الاشتراكية المتطرفة، والهوى المناطقي الضالعي اليافعي)، وذهبت الأحداث بعبدالفتاح إسماعيل وآخرين، ودفعت بالبيض ومن إليه ليمسكوا بمقاليد الحكم، ويلجأ قادة الأولى إلى صنعاء وعلى رأسهم: علي ناصر محمد وأحمد مساعد حسين، وسالم صالح محمد، وعبدربه هادي" الرئيس"، ومحمد ناصر أحمد "وزير الدفاع الحالي"، و...  وتبقى الثانية في الحكم، حتى تحقيق الوحدة في عام تسعين، ولحظتها اشترط البيض لتوقيع اتفاقية الوحدة مغادرة علي ناصر محمد اليمن، وغادر علي ناصر (ولعل هذا يفسر كون الأخير بالإضافة إلى أحمد مساعد حسين وسالم صالح من بين قوى الخارج التي تمثل التيار الوسط بخصوص القضية الجنوبية وتبدو أقرب إلى قوى الداخل) وبقي هادي ليلعب دوراً مؤثراً في انتصار قوات صالح على الجنوبيين في حرب 94م، ويتدرج في المناصب من وزير دفاع إلى نائب رئيس الجمهورية، إلى أن آلت إليه رئاسة البلاد في فبراير 2012م. ليجد نفسه في مواجهة قضية الجنوب وعودة الجنوبيين كفاعلين في المشهد السياسي، حيث لا يمكن أن تخفى خشيته من الجنوب الصاعد بقواه الجديدة أو المتجددة التي ظهرت مؤخراً في الساحة، وعلى رأسها علي سالم البيض، ومعسكره... ومن الطبيعي أن يأتي الجنوبيون محملين بإرث الماضي اللعين...
وبالرغم من دعوات التسامح، ومحاولات الإرجاء المستمرة لإمكانية انبعاث الصراع من مرقده. فإن ثمة دلالات على التوتر بين المعسكرين، وبالتحديد بين هادي والبيض ولها مبرراتها وإن بدت هذه الدلالات غير واضحةٍ إلا أن إدانة مجلس الأمن لعلي سالم البيض كأحد معيقي التسوية في اليمن، لم تكن أقل من علامة بارزة توضح الطريقة التي يفكر بها هادي، ولعلها من جانب آخر كانت بمثابة توطئة لمناورة قادمة تمثلت في أحداث 21 فبراير، التي كشفت بدورها مدى الفجوة الحاصلة بين الرجلين، وربما مثلت تمهيداً لرغبة ما في إثارة ما هو كامن بغية تقديره وإدراكه، فبدا الأمر كما لو كان مناورةً بين قوى الجنوب، صحيح أنها عملت على إبراز قضية الجنوب إلى الواجهة لكنها سرعان ما انطفت فجأة، وكل ما حدث أنها تمخضت عن لقاء جنوبي جنوبي في الإمارات وآخر مزمع إقامته في مصر.
هذا الصراع الجنوبي/الجنوبي، يمكن أن يفسر لنا بقاء قوى الشمال التقليدية كما لو أن هادي يحتفظ بها لمواجهة (تيار علي سالم)، واضعاً الجنوب برمته مرةً أخرى أمام حلف 94م الذي لعب فيه (أي هادي) دور البطل الوحدوي، وعاد ليلعبه الآن مكتفياً بكونه "أول رئيس جنوبي" كما لو أن ذلك غاية الغايات، على أن هذه الفكرة بالنسبة لمنطق الإنسان الجنوبي العادي، ولمنطق الحقيقة إجمالاً صارت _في حالة هادي_ فكرة لا قيمة لها، إلا في تفسير أبعاد صراعه مع غرماء تاريخيين، واحتفاظه بقوى الشمال، الشمال الذي تقول المؤشرات والوقائع أن هادي ينتمي إليه سياسياً، ويخضع لمركزيته العسكرية والسياسية، وبدا متعايشاً جداً مع ثعابينه. والأمر كذلك بالنسبة لأحلام الشمال وحاجته لرئيس جنوبي بما تمثله من قيمة أخلاقية ووطنية وثورية وحاجة اجتماعية يمكنها أن تقفز به نحو أفق أرحب من المدنية والنظام والقانون التي تجسدها صورة الجنوبي في الذهنية الشعبية والمثقفة الحالمة بوطن ليس بيادةً في أقدام العسكر، أو "قصعة ثريد" بين يدي القبيلة.
أحمد الطرس العرامي