Ads 468x60px

عن تكوين مكتبة التكوين


 عن تكوين مكتبة التكوين
ألتفت إلى الوراء فأجد طفلاً في القريةِ يأكل الكتب الملقاة في رفوف الغبار وأوراق الجرائد (تلك التي كانت تغلف بها ملابس أحد المغتربين القادمة من مغسلة في المدينة مثلاً) المرمية تحت النوافذ أو فناءات البيوت، يلح عليه هاجس الأدب والشعر فيقرأ كل ما يقع في يده، ليس بوسعه الانتقاء، أو الحصول على الكتب التي يريدها، ذلك أن مكتبة البيت لا يكاد يتجاوز عدد الكتب فيها ثلاثة كتب، ثلاثة كتب أحدها القرآن الكريم بتفسير الجلالين، أما الكتابان الآخران، لا أذكر أنه كان لدينا كتابان آخران... لنقل أنه كان لدينا ثم تمزقا او تعرضا للسرقة.
بين الحين والآخر كنت أجد كتاباً مرمياً هنا أو هناك، من رجل المستحيل إلى السلسلة الخضراء إلى الكتب الدينية، كان ذلك في طفولتي البعيدة، بعدها لا أكاد أتذكر أني وجدت كتاباً يستحق الذكر، فيما عدا كتاب واحد وكان ذلك أغرب ما حصل وأكثر التصاقاً بذاكرتي حتى إني أشم رائحته الآن وأكاد أقلب صفحاته بين يدي..
 في زاويةٍ مظلمةٍ من الدرج المؤدي إلى سطح البيت حيث لا يمكنك أن تمر إلا بصعوبةٍ ذلك أن الدرج كان مليئاً بالمهملات وأدوات الخردة وبالكاد تعبره.. وجدت كتاباً بلا غلاف وبلا أي دلالة على اسمه أو مؤلفه، ورق من القطع الصغير مائل إلى الصفرة تتراص عليه أبيات من الشعر العمودي، نفضت عنه الغبار وبدأت في قراءته بدا لي شعراً غربياً لم تستسغه ذائقتي المعتادة على الشعر العربي الذي نتلقاه في المدرسة... لكني قرأته أكثر من مرةٍ، ولم أكن أعرف ما اسمه ولا من مؤلفه... ولم يكن لدي خيار سوى قراءته... ومن ثم التعلق به اضطراراً...
كنت أعاني جداً من شح الكتب، وكانت الإذاعة أهم مصادري المعرفية، بالإضافة إلى كتاب الأدب والنصوص... لم أكن أدخل مرحلة تعليمية إلا وقد قرأت كل نصوص الكتاب المقرر لها، كان هذا قبل أن أجد ضالتي في مكتبة أستاذي "خريج الفلسفة" وصديقي الجميل الآن (علي يحيى العرامي)...
كانت مكتبةً غنيةً بمختلف أنواع الكتب والدوريات: مجلة العربي، عالم المعرفة، بعض الدواوين الشعرية، كتب الفلسفة وعلم النفس، قرأت أرسطو وأفلاطون، وكتب التحليل النفسي... لم أكن أفهم كثيراً لكني قرأت... قرأت بعض كتب عالم المعرفة...  قرأت دواوين البردوني المتوفرة في المكتبة، كتبه النثرية، كتاب أشتات أكثر من ثلاث مرات، اليمن الجمهوري، الثقافة والثورة، فنون الادب الشعبي... أسلوب البردوني المتميز بالاستطراد كان كفيلاً بأن يضيف لي الكثير والكثير... بعدها مباشرةً بدأت بتكوين مكتبتي الخاصة.
مكتبتي الخاصة عبارة عن الكتب التي كنت (أنهبها) من مكتبة أستاذ الفلسفة وصديقي الأستاذ علي يحيى، وكان أهمها كتب جبران خليل جبران (المواكب، الأرواح المتمردة، الأجنحة المتكسرة، البدائع والطرائف، النبي...) وبعض كتب طه حسين، دواوين: أحمد شوقي، نزار، أحمد مطر، إيليا أبو ماضي، إبراهيم ناجي...السياب,,, كانت هي كل مكتبتي وما زال بعضها معي حتى الآن... عليّ أن أعترف أيضاً قبل أكثر من ستة أشهر، زرت القرية وزرت صديقي وأستاذي في منزله واختتمت أعمال (نهب) كتبه بنهب كتاب اسمه (الأنثروبولوجيا) ذلك أن تلميذه صار مهتماً بالأنثروبولوجيا، وفي نظر أستاذي هذا يستحق التغاضي، وربما التصالح مع الأمر تحت قاعدة شبيهة بقاعدة ( المسروق مقروء) التي سمعتها من أستاذ الأدب العربي في الجامعة والذي بدوره (نهب) علي مجموعةً من الكتب.
على كلٍّ ظلت تلك الكتب (المنهوبة) هي قوام مكتبتي لم أضف إليها شيئاً إلا فيما بعد حين كنت أذهب صنعاء في الإجازة لدراسة دورات الكمبيوتر، كنت أعود بمجموعة من الكتب أهمها كتب البردوني النثرية ودواوينه التي كانت أسعارها تناسبني جداً، لدرجة أنني كنت أشتري نسختين من الكتاب الواحد أحياناً، اشتريت (لعيني أم بلقيس، جواب العصور، السفر إلى الأيام الخضر، مدينة الغد، كائنات الشوق الآخر... ترجمة رملية لأعراس الغبار) هذا الكتاب الأخير اشتريته من مكتبة في "الصافية" قريبة من فندق (نيس بلازا) وبدأت أقرأه في الشارع وأضحك كالمجنون إنه الكتاب نفسه... الكتاب نفسه الذي وجدته في درج البيت ولم أدر من مؤلفه. ولا ما اسمه. وتعلقت به اضطراراً...
كنت أعود بهذه الكتب إلى القرية لأؤثث بها مكتبتي، بالإضافة إلى كتب أخرى كنت أنهبها من أصدقائي المتواطئين مع عادتي في النهب... أذكر منها (جواهر الأدب لأحمد الهاشمي) قرأت هذا الكتاب بمعلقاته وقصائده، وخطبه ورسائله واختياراته التي تغطي الأدب العربي من الجاهلية وحتى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم... ثم تلك الكتب التي كان يضيفها عامر أخي إلى مكتبتي، ولعله مثل لي أهم المصادر لاحقاً إذ كان يأتيني بالكتب وقصاصات الجرائد من صنعاء (كان حينها جندياً في الأمن المركزي وطالباً في كلية الشريعة)، جاءني بأعداد من مجلة الثقافة ديوان ابي العلاء، المتنبي، أبو تمام، وأخيراً فن الأدب... لتوفيق الحكيم، هذا الكتاب بالتحديد كنت أود أن أكتب عنه هذا المقال، أخرجته من المكتبة، وضعته أمامي، شرعت في الكتابة غير أني استعذبت صحبة الذكريات، وتركته أمامي إلى جوار مجموعة من الكتب التي لم أقرأها بعد، مجموعة من الكتب التي اقتنيتها من معرض الكتاب في القاهرة قبل حوالي شهرين، وما زالت متراكمة فوق بعضها على الطاولة أمامي لم أفتح أياً منها... سأفعل بالتأكيد... لكن لا أدري متى!!
أحمد الطرس العرامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق