Ads 468x60px

قراءة في "كأن نبياً خلف الباب" للشاعر أحمد العرامي


قراءة في "كأن نبياً خلف الباب" للشاعر أحمد العرامي
سبأ عباد
شاعر يضعك على حافة السؤال منذ العتبة الأولى أي عتبة الديوان ،عندما يفتح لخيالك فضاءً أوسع تحلق من خلاله برمزيته وكثافته الشعرية الجميلة ،إذ يضعك أمام سؤالين مهمين أوليين قبل أن تبدأ رحلة القراءة في متن النص الذي يمثل الديوان بأكمله..(كأن نبيا ً خلف الباب ) فمن هو النبي يا ترى ؟؟؟ وما هو الباب الذي يقف خلفه هذا النبي؟؟
ليس هذا وحسب فبمجرد أن تبدأ الغوص في صفحاته الأولى متماهيا مع النص حتى تكتشف أن للنص أبطالا
يتناوب الحوار فيما بينهم ،وزمانا يتنقل ما بين الحاضر والماضي ،في بنية سردية عميقة ،حبكة تشتد وتهدأ من مشهد لآخر ، المكان وخصوصيته التي تتشبث بها كل تفاصيل النص ،وتنطق باسمها ، من خلال استخدام
مجموعة من الرموز والعلامات والمصطلحات الشعبية وتوظيفها توظيفا دلاليا ذكيا في النص . واضعا لها أدوارا أساسية لا يمكن تجاهلها ."اللزاب ،الشذاب،الشقر،السمّاية ، البالة، وريقة الحنا، بنت النبي ،الزامل ....الخ"
البطل الأساسي في النص هو (اللَّزابُ) والذي يحيلنا مباشرة إلى لهجة الشاعر ومنطقته وهذا توثيقٌ للمكان،
واللزاب أو الإزاب هذه العشبة العطرية التي تسمى في الفصحى "بالبردقوش" الذي له حضوره في الموروث
الشعبي في الموت والمولدغيره ،كما إنها عشبة طبية تستخدم للتطيب و التداوي من بعض الأمراض،بالإضافة إلى إن الزيت المستخلص منها يستخدم كمادة منومة ، وأجد مثل هذا الاستخدام موظفا في النص في أحد
جزئيات النص
عندما يقول :
والآن سأمضي
قال (اللِّزابُ)
وخدّرني حتى شخت
وقلت كلاما
يشبه هذا المكتوبَ على ورق اللعنات

وهذا يعني حسب هذا المقطع الشعري إذا ما قرأناه تبعا لهذه الدلالة ،أن النص كُتب نتيجة لتأثير هذه العشبة
،أو أن ذلك كان من قبيل الصدفة.
"الشذاب " والذي يقف في الجهة المقابلة للرمز السابق ويعاكسه إذ أنه يحمل دلالة الفرح والحياة للسابق
بينما يحمل الأول دلالة الموت في أغلب الأحيان..
فعندما يقول الشاعر :
كانت الأبواب تفتحنا
لريح في مهب (وريقة الحنا)
وتغلق نفسها
في وجه جارتنا
كأنا ما أتينا منذ رائحة (الشذاب )
أي منذ الولادة
ثم يواصل ..
وصرخة اللزاب
من ألف القصيدة نفسها .........الخ
إن اقتران لفظة (منذ) بكلمتى (الشذاب ،وصرخة ) وكلها تحيل إلى معنى واحد هو البداية والولادة لـ (اللزاب )
،ولكن ما لا نعرفه هو ولادة من بالضبط؟ وما هي الدلالة التي يحيل إليها هذا الرمز الذي يقول الشاعر إنه أصبح حكايته ، وإنه أصبح يديه ؟فهل هو حلم الشاعرأو أنها ذاته ؟؟
إذ إننا نجد بين سطور الشاعر تعريفا له عندما يقول في :
هذا (اللزاب )
أخي في الصمت
أخي في الموت
أخي في لون الخجل البحري
أخي في خجل البحر
أخي في البحر
أخي في البحر بما فيه
أخي في (اللزاب)
وهنا نلاحظ كيف يتدرج الشاعر من الجزء إلى الكل حتى يصل إلى الذات الأخرى التي يتحدث عنها بأكملها ..
وفي صفحة أخرى يوكل إلى الراوي مهمة وصفه في أحد المشاهد وهو في يد محبوبته :
كان اللزاب نحيلا جدا في يدها
ويكرر وصفه في أكثر من مشهد :
كان اللزاب يغني مثلي
ثم يفاجئنا في إحدى اللقطات الشعرية عندما يصرح لنا بأنه رجل ٌ تهواه امرأة في السماية وتخطبه من بين
الأولاد..
يرتبط اللزاب بالرمز السابق وهو الباب الذي وضعه أمامنا منذ العتبة الذي نجد له تعريفا عند الشاعر في أول صفحة في الديوان إذ يقول :
أضيع مثل الندى المهووس ،ذاكرتي نصف غياب ، وكل الباب موالي

بينما نجد دلالة النبي في آخر صفحة وآخر جزئية في النص إذ يقول :
يا ابنة الجيران هذا وجعي
سأسميه سماء مفرغة
سأسميه نبيا ثملا ً
سأسميه نبيذا ولغة ..
من هنا نجد أن النبي الذي يظل واقفا خلف الباب هو الوجع ، وأن الباب هو موال الشاعر وقصيده ،
وكأنه يقول في ترجمة للعنوان :
كأن وجعاً خلف الشعر ..
هذا بالنسبة لبعض الرموز ودلالاتها ..
نجد استثمارا للسمايات مثل (وريقة الحنا )أو( ورقة الحنا) الفتاة الجميلة المظلومة والتي تتطابق مع شخصية "سندريلا"، استثمارا للبالة ،للزامل ،للبلبلة،أيضا للنشيد مثل طيري طيري يا طيارة .
نجد تناصا مع آية قرآنية في قوله :
وقل
هذا ربي
هذا أكثر
من مرآة
وأقلُّ
أقلْ
نجد أيضاً استثمار الشاعر للصوت بصورة واضحة في النص في أكثر من صورة وأكثر من مقطع منها قوله :
في صفحة 48:
وكان يبلبل
من في الباب ؟
تِرم تِم تِم تِم
من في الباب ؟
طِرق طِق طِق طِق
وفي مقطع آخر:
ودارت رائحة الجارة
دارت
دارت
دارت
حتى دار الأفق

أخيراً ..
عندما نقرأ قول (اللزاب) في أكثر من مقطع :
والآن سأمضي ..
نلاحظ ظهور الراوي الذي يتحدث عنه بـ(كان اللزاب ) لينتقل زمنُ اللزاب من الحاضر إلى الغائب ثم يعود
اللزاب من جديد مرة أخرى وهكذا في كل مرة .. ثم يقرر أن يرحل مرة أخرى فيقول :والآن سأمضي وهكذا
يظل الصراع بين الحضور والغياب بين الموت والحياة قائما إلى أن تشتد الحبكة ويبلغ الصراع ذروته عندما يلتقيان في ص 36
قال اللزاب لها
هذا الراوي
فابتسمت وأدارت خاتمها
وابتسم (اللزاب)
ودحرج غمزته صوب الراوي .
إلى أن يُحسم الأمر ويكون الغياب أمرا صريحا حين يقول في صفحة 47:
غاب اللزاب
وغاب رنين يديكِ
فلا تدعي قمرا يدخل من فتحة هذا الليل..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق