Ads 468x60px

الصراع الجنوبي _ الجنوبي


الصراع الجنوبي _ الجنوبي
ضاقت البلاد بنا، في حين تبدو حلبة الصراع مترامية الأطراف في حالة غير مفهومة من تزايد القوى المتصارعة وتكالبها أكثر ما يمكن لأحلامنا الهزيلة أن تحتمله، ولطاقة الوطن المنهك أن تنوء به...
ومثلما ضيع الثورة وأحلام الناس صراع قوى المركز في الشمال، سيعزز صراع قوى الجنوب الذي يحتدم الآن في ساحةٍ غير مرئيةٍ وبتفاصيل مبهمة وأشد غموضاً. سيعزز من ضياعنا هذا أو على الأقل ضياع قضيةٍ عادلةٍ كالقضية الجنوبية يمكنه أن يطحنها تحت أقدام أطرافه. كما أنه سيخلق حزمةً كافيةً من مبررات وجود أو استمرار وجود قوى الشمال التقليدية، واتساع مساحة اللعب التي يمكنها أن تتحرك فيها.
والواقع أنها _قوى الشمال_ لم تعد وحدها هي التي تتصارع، المؤشرات تقول أن ثمة صراعاً جنوبياً_جنوبياً أبعاده وخلفياته السياسية والتاريخية كانت مرجأة، أو كامنةً وعادت لتطفو على السطح مجدداً، ذلك أن ما آل إليه المشهد السياسي بعد الثورة والمبادرة الخليجية وخروج صالح من السلطة قد ترتب عليه أمران في غاية الأهمية: أولهما: ظهور أو عودة القوى السياسية الجنوبية التي كانت مقصاةً في الخارج إلى الواجهة وعلى رأسها علي سالم البيض، والآخر: صعود القوى الجنوبية التي في الداخل وعلى رأسها الرئيس هادي.
ولو جاز لنا أن نصنفهما كقوتين فسنجد أن كلاً منهما تقف على الطرف النقيض من الأخرى ومن يتأمل في حقيقة كل واحدةٍ منهما، وطبيعتها، سيجد أن ثمة أرضيةً خصبةً يمكنها أن تهيئ للصراع بينهما، وتعزز من إمكانية أن نكون مجدداً (مع اختلاف في الكيفيات ومساحة اللعب وأدواتها) أمام مواجهة جديدة ومناورات سياسية تحت رايتي (الطغمة، والزمرة). وإن اختفت التسميتان اللتان يعرفهما جيداً جنوب الثمانينات وهما تشيران إلى القوتين اللتين ظلتا تتصارعان في الجنوب حتى وصل الصراع بينهما ذروته متمثلاً في أحداث (86)، حين تناحر جناحا الحكم في الجنوب، تيار الزمرة (تيار الاشتراكية المعتدلة والهوى المناطقي الأبين)، و(تيار الاشتراكية المتطرفة، والهوى المناطقي الضالعي اليافعي)، وذهبت الأحداث بعبدالفتاح إسماعيل وآخرين، ودفعت بالبيض ومن إليه ليمسكوا بمقاليد الحكم، ويلجأ قادة الأولى إلى صنعاء وعلى رأسهم: علي ناصر محمد وأحمد مساعد حسين، وسالم صالح محمد، وعبدربه هادي" الرئيس"، ومحمد ناصر أحمد "وزير الدفاع الحالي"، و...  وتبقى الثانية في الحكم، حتى تحقيق الوحدة في عام تسعين، ولحظتها اشترط البيض لتوقيع اتفاقية الوحدة مغادرة علي ناصر محمد اليمن، وغادر علي ناصر (ولعل هذا يفسر كون الأخير بالإضافة إلى أحمد مساعد حسين وسالم صالح من بين قوى الخارج التي تمثل التيار الوسط بخصوص القضية الجنوبية وتبدو أقرب إلى قوى الداخل) وبقي هادي ليلعب دوراً مؤثراً في انتصار قوات صالح على الجنوبيين في حرب 94م، ويتدرج في المناصب من وزير دفاع إلى نائب رئيس الجمهورية، إلى أن آلت إليه رئاسة البلاد في فبراير 2012م. ليجد نفسه في مواجهة قضية الجنوب وعودة الجنوبيين كفاعلين في المشهد السياسي، حيث لا يمكن أن تخفى خشيته من الجنوب الصاعد بقواه الجديدة أو المتجددة التي ظهرت مؤخراً في الساحة، وعلى رأسها علي سالم البيض، ومعسكره... ومن الطبيعي أن يأتي الجنوبيون محملين بإرث الماضي اللعين...
وبالرغم من دعوات التسامح، ومحاولات الإرجاء المستمرة لإمكانية انبعاث الصراع من مرقده. فإن ثمة دلالات على التوتر بين المعسكرين، وبالتحديد بين هادي والبيض ولها مبرراتها وإن بدت هذه الدلالات غير واضحةٍ إلا أن إدانة مجلس الأمن لعلي سالم البيض كأحد معيقي التسوية في اليمن، لم تكن أقل من علامة بارزة توضح الطريقة التي يفكر بها هادي، ولعلها من جانب آخر كانت بمثابة توطئة لمناورة قادمة تمثلت في أحداث 21 فبراير، التي كشفت بدورها مدى الفجوة الحاصلة بين الرجلين، وربما مثلت تمهيداً لرغبة ما في إثارة ما هو كامن بغية تقديره وإدراكه، فبدا الأمر كما لو كان مناورةً بين قوى الجنوب، صحيح أنها عملت على إبراز قضية الجنوب إلى الواجهة لكنها سرعان ما انطفت فجأة، وكل ما حدث أنها تمخضت عن لقاء جنوبي جنوبي في الإمارات وآخر مزمع إقامته في مصر.
هذا الصراع الجنوبي/الجنوبي، يمكن أن يفسر لنا بقاء قوى الشمال التقليدية كما لو أن هادي يحتفظ بها لمواجهة (تيار علي سالم)، واضعاً الجنوب برمته مرةً أخرى أمام حلف 94م الذي لعب فيه (أي هادي) دور البطل الوحدوي، وعاد ليلعبه الآن مكتفياً بكونه "أول رئيس جنوبي" كما لو أن ذلك غاية الغايات، على أن هذه الفكرة بالنسبة لمنطق الإنسان الجنوبي العادي، ولمنطق الحقيقة إجمالاً صارت _في حالة هادي_ فكرة لا قيمة لها، إلا في تفسير أبعاد صراعه مع غرماء تاريخيين، واحتفاظه بقوى الشمال، الشمال الذي تقول المؤشرات والوقائع أن هادي ينتمي إليه سياسياً، ويخضع لمركزيته العسكرية والسياسية، وبدا متعايشاً جداً مع ثعابينه. والأمر كذلك بالنسبة لأحلام الشمال وحاجته لرئيس جنوبي بما تمثله من قيمة أخلاقية ووطنية وثورية وحاجة اجتماعية يمكنها أن تقفز به نحو أفق أرحب من المدنية والنظام والقانون التي تجسدها صورة الجنوبي في الذهنية الشعبية والمثقفة الحالمة بوطن ليس بيادةً في أقدام العسكر، أو "قصعة ثريد" بين يدي القبيلة.
أحمد الطرس العرامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق