Ads 468x60px

أحمد الطرس العرامي، مقال لمحمود ياسين

محمود ياسين يكتب:

أحمد الطرس العرامي

قلت هذا اسم يصلح لقائد في خراسان يتعرض جيشه لهزيمة ساحقة، ويعلق رأسه المقطوع على أبواب المدينة، ويردد المارة اسم الرأس المعلق بإجلال: هذا رأس أحمد الطرس العرامي، القائد الذي خذله زمنه.
توشك بعض المزحات أن تتحول لنبوءات وشيكة التحقق، إذ تلقى أحمد الطرس العرامي تهديداً من قاعدة منطقة البيضاء ورداع، بقطع رأسه، وتعليقه على أبواب المدينة، دون أن يحدد التهديد ما إن كان ذلك سيتم على أبواب رداع، أم على أبواب مدينة البيضاء.
أضن أبواب قلعة شمر يهرعش ستكون أليق برأس أحمد الطرس، وأكثر جلاء لمشهد المهابة الخليقة بالجهالة، وليس بنهاية شاعر مختلف وملعون لطالما ألهمتني نصوصه، ولطالما تبادلنا ذلك الشغف عند قراءتها كمجموعة مذهولة بكلمات أحمد الطرس وتنويعاته، ولكنته التي لا تشبه أحداً كما تشبه الإيقاع النفسي لفتى مختصر تكاد تلمح قيعانه أثناء ما يخبرك بمضمون تهديد القاعدة، وفصله من تدريس الأدب الحديث بجامعة البيضاء، لذات السبب.
السبب ليس تافهاً ولا عادياً. إذ إنه ليس من التفاهة بمكان أن يقوم أستاذ جامعي بتضمين روايتين يمنيتين ضمن مقرر مادة الادب الحديث ويتلٍ بسبب ذلك تهديدا بالقتل وقرارا فوريا بالفصل من الجامعه .
اختار لطلبته روايتين قسمهما بحرص بين طلبته الذكور والإناث. إذ منح الذكور رواية "حرمة" لعلي المقري، و"الرهينة" للإناث. دون أن يكون علينا هنا تبرئة ساحة أحمد الطرس، والثناء على حرصه الأخلاقي، وهو يخصص لطالباته الإناث رواية "الرهينة" لزيد مطيع دماج، كونها تتضمن حداً أدنى من المشاهد الجنسية، مقارنة بـ"حرمة" علي المقري.
هذا أدب وليس ابتكارا لأحمد الطرس،لكن المعضلة في كونه يدرس في رداع القارسة بالصخور السوداء، وعمى اندفاع الفرع الأعنف للقاعدة المتواجد الآن في تخوم ذمار. هم يريدون الدفاع عن الله بهذه الطريقة، وهذا يعني أن يتوقف أحمد الطرس العرامي عن تدريس رواية "الرهينة" أو رواية "حرمة"، وليستبدلهما بـ"رياض الصالحين" باعتباره أدباً حديثاً بمستوى حداثة بلد تتجول فيه القاعدة بكامل فتوتها العمياء التي أرهبت رئيس الجامعة، ودفعته لاتخاذ قرار هو ليس فقط غير قانوني، ولكنه ذلك النوع من الإجراءات التي يمكنك توصيفها بكلمتي " اجراء همجي".
أين ولمن يشتكي القائد الذي هزمه زمنه على أبواب جامعة البيضاء، وهو يعود من صنعاء، مستجيباً لإجراء التحقيق الداخلي، ليفاجأ برأسه معلقاً على الحائط الإعلاني لمبنى الجامعة، على هيئة قرار فصل.
كان المثقفون في الماضي وحتى ما قبل الـ5 سنوات الأخيرة، لا يتركون نصوصهم وأرواحهم الفنية لتقطع وتعلق على أي نحو. وأنا لا أبحث هنا عن عصابة الشعراء الحداثيين، ولا مكان هنا لتبرير سلامة منهج أحمد الطرس، فهو قد قرر على طلبته روايتين من الأدب اليمني الحديث، لأن هذا عمله (تدريس الأدب الحديث).
.
في لحظة استياء قد يغمغم أحدهم: والله إن الطائرات الأمريكية على حق. وهذا خاطئ؛ ذلك أن القاتل ليس على حق أياً تكن دوافعه. ونحن من ينبغي عليه مقاسمة أحمد الطرس مصيره، وليس الطائرات بدون طيار.
مع تنظيم كالقاعدة، ورئيس جامعة بذهنية هذا الذي يداوم في البيضاء بهذا المسمى، لا نملك الوقت لمناقشة أزمتنا الوجودية الجنسية التراثية أولاً، ولا أدري كيف يمكننا هنا أولاً الدفاع عن حياة الشاعر العظيم أحمد الطرس العرامي، الآن، قبل دفاعنا المصيري عن حقنا في الحياة كفنانين وأدباء لدينا روايات وروائيون بحجم دماج والمقري.
إنه لمن المخيب للآمال ألا يسع أحدنا شيء أكثر من أن يخبئ أحمد الطرس العرامي في بيته، تاركاً الروايتين تتجولان بخزي فتاتين تم ضبطهما في ماخور.
مع أن الأمر من أوله إلى آخره كان يفترض به أن يكون روايتين قدمهما أديب كبير لطلبته في جامعة.
المرعب هنا هو أنني ما إن سمعت من الشاعر خبر تهديده بقطع رأسه بسبب الروايتين، حتى رحت لاإرادياً أتأكد من كمية ومستوى الوجود الجنسي في روايتيّ اللتين أسعى لطبعهما، وكأنني أوشك على الاستسلام.
لا يجدر بنا الاستسلام لزمن البداءة والوحشية هذا، وإلا فإننا نقطع رؤوسنا بأيدينا.
محمود ياسين
صحيفة الأولى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق